
لن أتحدث هنا عن أصول نجم نادي برشلونة ومنتخب إسبانيا لامين يامال العربية، ولا عن طريقة لفظ اسمه إن كان أمين جمال أو غير ذلك، وإنما عن ظاهرة تمس العقلية الرياضية العربية وبشكل خاص في عالم كرة القدم.
مثل يامال استمرارا لعدد من النجوم اتي تلألأت في سن مبكر، ونثرت فنونها على أصقاع الأرض من أقصاها إلى أقصاها، وباتت حديث الخبراء والمحللين، مثل بيليه ومارادونا ورونالدو وميسي، ومن بعدهم جيل جديد مثل بيدري وجافي ومبابي وبيلينجهام، الذين تفتقت موهبتهم قبل سن العشرين، لكن يامال يبقى استثناء بدخوله التاريخ وهو يرفع كأس أوروبا كأصغر لاعب في البطولة.
17 عاما بالتمام والكمال كان عمر يامال وهو يرفع كأس أوروبا، ونجح في تحطيم جملة من الأرقام التي كان يعتقد أنها ستبقى صامدا أمدا طويلا، حيث بدأ هذه الأرقام كأصغر لاعب يشارك في مباراة بالدوري الإسباني، وبعدها أصغر لاعب يسجل هدفا في البطولة، ثم أصغر من يسجل هدفين في مباراة واحدة، ثم أصغر لاعب في تاريخ برشلونة يصل إلى المباراة رقم 50، وأصغر لاعب في تاريخ الكلاسيكو.
لم يكتف اللاعب الشاب بأرقامه محليا، وحقق أول أرقامه خارجيا بدخوله تاريخ دوري أبطال أوروبا أمام نابولي، ليصبح أصغر لاعب يبدأ مباراة في مرحلة خروج المغلوب، وبعدها تأتي كأس الأمم الأوروبية التي حقق فيها سلسلة أرقام كانت البداية أمام كرواتيا بكسر رقمين: الأول أصغر لاعب يشارك في البطولة، والثاني أصغر لاعب يصنع هدفا فيها، وكان هدفه الصاعق في مرمى فرنسا تتويجا لهذه الأرقام الذي جعله أصغر لاعب في تاريخ البطولة يسجل هدفا بعمر 16 عاما و361 يوما.
مسيرة أرقام يامال لم تتوقف، حيث واصل كتابة التاريخ باعتباره أصغر لاعب في تاريخ كأس أمم أوروبا يرفع كأس البطولة، واختير هدفه في فرنسا الأجمل، وبلغت مشاهدات فيديوهاته على منصات التواصل رقما قياسيا في البطولة.
كل ما سبق يجعلنا نتسائل: أين يامال من ملاعبنا العربية؟ وهل لو كان هذا النجم الشاب في حدود وطننا العربي، هل سيمنح الفرصة للتعبير عن قدراته؟ هل سيجد مدربا مثل تشافي يقتنع بموهبته فيصعده من الناشئين إلى الفريق الأول وهو ما زال في السادسة عشر من العمر؟ هل سيمنحه مدرب عربي مثل هذه الفرصة؟ وهل سيقتنع مدرب منتخب عربي بنجومية هذا الشاب ويعتمد عليه أساسيا وهو ما زال على مقاعد الدراسة في المرحلة المتوسطة؟
باعتقادي أن الفكرة قد تكون بعيدة وسط ما نشاهده من ضياع للكثير من المواهب العربية التي إما أن تضطر للهجرة، أو الرحيل عن الملاعب نظير الإهمال لموهبتها، وحسبها في إطار اللاعب البديل، أو المحكوم عليه بالإعارة من أجل صقل الموهبة واكتساب الخبرة، علما بأن عملية الصقل والخبرة يجب أن تكون في النادي الذي بدأ فيه مسيرته وطور قدراته، فالنادي الذي لا يقدر على هذا الأمر، لا يستحق مثل هذا اللاعب، ومن يقدره أحق به منه.
تجربة يامال لا بد أن تكون حافزا للمدربين قبل إدارات الأندية بوضع ثقتها في الموهوبين من فرقنا العربية، ولا بد من زيادة عدد هؤلاء الشباب في فرق الأندية والمنتخبات لدفع دماء جديدة، ومعنويات عالية، وجوع شديد للظهور وإثبات الذات وتحقيق الألقاب، فعديد الوجوه التقليدية باتت عبئا على الفرق، نظير الاطمئنان لمكانها، ولا بد من تهديدها بهذا الجيل من الشباب لتحفيزها وتجديد دوافعها للاستفادة من كامل طاقتها، كل ذلك إلى جانب توفير مبالغ طائلة في شراء لاعبين جاهزين، واستبدالها بالثقة بأبناء النادي من الموهبين المشبعين انتماء ورغبة في التمثيل المشرف للنادي والمنتخب.
قد يعجبك أيضاً



