إعلان
إعلان

برشلونة منضبط والريال منفلت.. كيف أصبح فليك سيدًا وألونسو ضيفًا؟

عمرو عزام
10 ديسمبر 202506:30
Flick and Yamal and Raphinhakooora

"سيجلس على دكة البدلاء في المباراة القادمة.. ليس لدي مشكلة في ذلك".. بهذه الجملة القصيرة، التي ألقاها بابتسامة ساخرة، لخّص هانز فليك كثيرًا من فلسفته حين سُئل في المؤتمر الصحفي بعد مواجهة آينتراخت فرانكفورت، عن سبب استبدال لامين يامال في الدقائق الأخيرة.

ورغم أن فليك عاد ليشرح أن السبب يعود إلى حصول اللاعب على بطاقة صفراء، فإن نبرة الرد حملت رسالة واضحة مفادها: "المدرب هو صاحب القرار، ولا لاعب فوق سلطة الجهاز الفني".

هذا المشهد أعاد إلى ذهني مباشرة ما حدث في الجانب الآخر من إسبانيا، داخل معسكر ريال مدريد، حينما قرر تشابي ألونسو استبدال فينيسيوس جونيور في مباراة الكلاسيكو. قرار عادي جدًا في كرة القدم، لكنه تحوّل مع نجوم ريال مدريد إلى أزمة، ثم عاصفة، ثم صداعٍ لا يزال النادي والمدرب يعانيان منه حتى اللحظة.

فحتى بعد اعتذار فينيسيوس، ورواية النادي بأن الأمور انتهت، فإن الحقيقة مختلفة تمامًا؛ فألونسو أصبح حذرًا بشدة في إدارة دقائق البرازيلي، ولم يكرر فكرة استبداله إلا نادرًا وفي ظروف محسوبة بعناية، وكأنه يتعامل مع لاعب "محصّن" لا يجوز المساس به.

وليس فينيسيوس وحده من يمثل سلطة كبيرة في وجه المدرب الجديد، فهناك كيليان مبابي، صاحب الحصانة الأعلى داخل النادي، وإن كان هذا يبدو مفهومًا ومنطقيًا بسبب تألقه الكبير منذ بداية الموسم في تسجيل الأهداف وتصدره لترتيب هدافي الليجا ودوري الأبطال.

ثم هناك جود بيلينجهام، الذي يحظى بحماية غير مبررة منذ عودته من الإصابة، رغم أدائه الذي لا يشفع لخوضه 90 دقيقة كاملة في كل مباراة، خصوصًا على حساب أردا جولر، اللاعب الأكثر انسجامًا مع مبابي وصانع فرصه الأول هذا الموسم.

أما فالفيردي، فقضيته لها طابع مختلف؛ إذ إن رفضه اللعب في مركز الظهير الأيمن، كما أشارت تقارير عديدة، يعكس إلى أي مدى أصبحت سلطة اللاعبين في غرفة الملابس أعلى من سلطة المدير الفني.

الحقيقة أن الأمور داخل ريال مدريد لم تعد كرة قدم فقط، بل تشابكت بالخيوط الاقتصادية والتجارية، فالتقارير التي خرجت من "ذا أتلتيك" و"آس" ليست مجرد تكهنات صحفية، بل رسمت صورة خطيرة تتمحور حول مجموعة من اللاعبين باتوا أشبه بمشاريع استثمارية ضخمة، ذات نفوذ اقتصادي يجعل النادي نفسه مرتبطًا بمصالحهم وشركاتهم ورعاياتهم وعلاماتهم التجارية.

وهكذا نشأت طبقة "فنية - اقتصادية" محمية، يصعب المساس بأفرادها، مهما كان تأثير ذلك على أرض الملعب.

حينما نعود إلى برشلونة، تجد مشهدًا مختلفًا كليًا: هانز فليك، رغم كل الانتقادات والخسائر، يبقى هو صاحب القرار الأول والأخير، تجد روبرت ليفاندوفسكي، أحد أعظم المهاجمين في التاريخ الحديث، يجلس على دكة البدلاء دون اعتراض، رافينيا يخضع للقرارات التكتيكية دون ضجيج، فيران توريس يلعب أساسيًا حينًا، ويخرج حينًا، ولا حديث عن "غضب" أو "هيبة".

لامين يامال نفسه، وهو أغلى موهبة صاعدة في العالم، انفجر في أزمة الكلاسيكو وصرّح "بسرقة" الفوز، لكن النادي والمدرب احتوياه، ووجدناه بعدها بأيام منضبطًا، ملتزمًا، ومن أوائل الواصلين إلى التدريبات، ومتخلصًا من أجواء خارج الملعب مثل انفصاله عن صديقته المؤثرة نيكي نيكول.

هكذا تُدار غرفة الملابس في نادٍ كبير: المدرب فوق الجميع، والنادي فوق الجميع، والانضباط يأتي أولًا.

هنا انضباط محكم، وهناك فوضى مكتملة الأركان.

هنا لاعب يعرف حجمه مهما كان اسمه، وهناك لاعب يشعر أنه أكبر من الشعار.

هنا مشروع فنيّ يمضي رغم العواصف، وهناك مدرب مقيد، محاصر، غير قادر حتى على تطبيق أفكاره.

وبصراحة شديدة: هذا هو برشلونة اليوم، وهذا هو ريال مدريد.

ريال مدريد، النادي الذي لا يتحمل موسمًا آخر بلا بطولات، تبدو أزمته أعمق من خسارة مباراة أو تراجع مستوى. النادي بات هشًا أمام نفوذ اللاعبين، والمدرب أصبح الحلقة الأضعف، وفلورنتينو بيريز لا يزال يدير الأمور بعقلية الصفقات الرمزية والقيمة التسويقية لا القيمة الفنية.

إن لم يُحدث ريال مدريد ثورة حقيقية في طريقة الإدارة، وتغييرًا جذريًا يبدأ بتعيين مدير رياضي بمشروع متكامل، ومدرب قادر على فرض الهوية، فإن السقوط لن يكون مؤقتًا، بل ممتدًا ومؤثرًا على سمعة النادي الأكثر تتويجًا في أوروبا.

الحل تأخّر، وربما تأخّر كثيرًا.. لكن لا عودة للريال إلا بقرار شجاع: عودة النادي إلى كرة القدم، وليس إلى اللاعبين.

إعلان
إعلان
إعلان
إعلان