
لم يكن امتلاك معدل تهديفي يقترب من هدف في المباراة الواحدة من الأمور الشائعة في القرن الماضي، ورغم تواجد هدافين مميزين إلا أن الاستمرارية كانت هي المعادلة الصعبة.
ورسمت موهبة الأسطورة الهولندية ماركو فان باستن المتفجرة وبراعته أمام الشباك، الطريق الذي سار عليه ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو في القرن الحالي، للوصول إلى معدلات تهديف إعجازية.
المشهد الأول – شهادة كرويف
الزمان: 3 أبريل/ نيسان 1982
المكان: استاد دي مير (الملعب الأسبق لأياكس)
يشعر فان باستن بالغربة بين فريق أياكس وأساطيره، فاللاعب صاحب الـ17 عامًا يتواجد لمدة 8 أشهر مع الفريق الثاني، قبل أن يختاره المدرب آد دو موس للجلوس احتياطيًا مع الصف الأول ضد نيميجن بالدوري الهولندي.
لم يكن مشهد الجماهير التي تملأ المدرجات معتادًا على الشاب فان باستن، إلا أنه استمتع بالجلوس احتياطيًا، لا سيما أنه يشاهد يوهان كرويف أسطورته المفضلة.
تقدم أياكس بهدفين، قبل أن يطلب المدرب من فان باستن القيام بالإحماء استعدادًا للدخول بدلًا من كرويف، وهنا أدرك صاحب الـ17 عامًا أنه في حقيقة وليس حلما، وأنه سيشارك بالفعل ويصافح أسطورته أمام الجماهير.
وخلال دقائق مشاركته، نجح فان باستن في إحراز هدف والظهور بمستوى مميز، ما جعل كرويف يذهب إليه في غرفة الملابس بعد المباراة، ثم يقترب من أذنه ليهمس له مبتسما "ستذهب بعيدًا في عالم كرة القدم".
المشهد الثاني – الهولندي الطائر
الزمان: 26 يونيو/ حزيران 1988
المكان: ملعب ميونخ الأولمبي
بدأ شبح الإصابة في النيل من فان باستن خلال موسم 1987-1988، لذا ذهب اللاعب مع هولندا إلى يورو 88، لكنه لم يكن ضمن الحسابات للمشاركة أساسيًا.
خسرت هولندا أولى مبارياتها أمام الاتحاد السوفيتي، ثم طالب كرويف (الذي تحول إلى ناقد كروي) بضرورة إشراك فان باستن أساسيًا، وبالفعل شارك نجم ميلان ضد إنجلترا وأحرز ثلاثية، كما أقصى الألمان في نصف النهائي بهدف قاتل.
وفي المباراة النهائية على ملعب ميونخ الأولمبي، بات فان باستن بطلًا شعبيًا في هولندا، حيث أصبحت الجماهير تطالبه بالثأر لها من الاتحاد السوفيتي، كما فتك بالألمان.
وشارك فان باستن هذه المرة من البداية وسبب إزعاجًا مستمرًا للدفاع السوفيتي، إلى أن جاءت الدقيقة 33 عندما نجح أسطورة ميلان في خداع خط دفاع المنافس بالكامل وسرقة رأسية صنع بها الهدف الأول لرود خوليت.
وفي الدقيقة 57، نجح فان باستن في وضع بصمة تاريخية، بعدما سجل هدفًا غاية في الصعوبة والجمال من زاوية شبه مستحيلة، حيث تلقى عرضية زميله موهرن من أقصى اليسار، ليقابلها داخل منطقة الجزاء متطرفًا جهة اليمين بتسديدة مباشرة أبهرت العالم بعدما مرت أعلى الحارس وسكنت الجهة العكسية في الشباك.
وكانت هذه البطولة التاريخية سببًا في حصد فان باستن للكرة الذهبية، للمرة الأولى في مسيرته.
المشهد الثالث – إثبات الذات
الزمان: 24 مايو/ أيار 1989
المكان: ملعب كامب نو
بعد موسمه المتعثر الأول مع ميلان بسبب الإصابة والغياب لفترة طويلة، عاد فان باستن للانفجار في الموسم الثاني وقيادة الروسونيري بأهدافه الحاسمة إلى نهائي دوري أبطال أوروبا أمام ستيوا بوخارست على ملعب "كامب نو".
دفع أريجو ساكي، مدرب ميلان، بفان باستن أساسيًا في خط الهجوم بجوار خوليت، بينما خلفهما روبرتو دونادوني وأنجيلو كولومبو.
كان "كامب نو" يحفل بأجواء هيستيرية من جماهير ميلان التي جاءت للاحتفال، وبالفعل سارت المباراة من طرف واحد فقط، إذ أن الروسونيري أهدر فرصًا بالجملة أمام المرمى أحدها من رأسية المهاجم الطائر.
وتقدم خوليت لميلان في الدقيقة الـ18 مستغلا كرة ردت من جسد الحارس أمام المرمى الخالي، قبل أن يستغل فان باستن في الدقيقة الـ27 هوايته في الطيران ويحلق أعلى دفاعات بوخاريست، ليضع رأسية صاروخية في الشباك.
وعقب 20 دقيقة، عاد فان باستن لمعاقبة بوخاريست بهدف آخر، وإنهاء أي أمل للرومان في العودة خلال المباراة.
وكانت هذه المباراة تتويجًا لموسم فان باستن الرائع، وشهادة كافية للحفاظ على الكرة الذهبية للعام الثاني على التوالي.
المشهد الرابع – قبلة الوداع
الزمان: 22 ديسمبر/ كانون أول 1992
لم تكن موهبة فان باستن تتعلق فقط بإحراز الأهداف، أو أنه كان يخطف الكرة الذهبية بسبب ألقابه الأوروبية، وكان عام 1992 خير دليل على ذلك، إذ عاش الهولندي الطائر بطولة يورو صعبة.
فشل فان باستن في تسجيل أي هدف في مباريات الطواحين الأربع ضد اسكتلندا والاتحاد السوفيتي وألمانيا والدنمارك، كما أهدر ركلة الجزاء التي كانت سببًا في وداع هولندا البطولة من نصف النهائي أمام زملاء العملاق بيتر شمايكل.
ورغم عدم زيارة الشباك في اليورو أو حصد بطولة قارية مع ميلان، إلا أن فان باستن نال قبلة الوداع من الساحرة المستديرة على أدائه الذي لم يترجم إلى أهداف كثيرة أو بطولات أوروبية، حيث حصل على الكرة الذهبية للمرة الثالثة، بالإضافة إلى جائزة لاعب العام من الفيفا واليويفا ومجلة ورلد سوكر.
المشهد الخامس – الاعتزال مرتين
الزمان: 26 مايو/ أيار 1993
المكان: ملعب ميونخ الأولمبي
في أوج تألق فان باستن داهمته إصابات الكاحل بسبب التدخلات العنيفة من المدافعين، إلا أن الهولندي الطائر ضحى بنفسه، بعدما أصر على المشاركة في نهائي دوري أبطال أوروبا رفقة ميلان ضد مارسيليا رغم خطورة حالته.
ولم يكن يعلم فان باستن أن ملعب ميونخ الأولمبي سيشهد اعتزاله الفعلي للساحرة المستديرة في عمر 28 عامًا، وعقب خسارة حزينة للروسونيري بهدف دون رد.
استمر فان باستن في إجراء عمليات جراحية لمدة عامين، لمحاولة التعافي والعودة للكرة، إلا أنه لم يقدر وأعلن اعتزاله الرسمي في أغسطس/آب 1995.
وكانت الإصابات التي تعرض لها الهداف الطائر جراء الخشونة الزائدة من المدافعين، دفعت الاتحاد الدولي لإجراء تغييرات على القوانين الانضباطية، وخاصة ما يتعلق بالتدخلات العنيفة من الخلف.
وربما إذا تواجد فان باستن في القرن الحالي بعدما تطورت الأساليب الطبية للتعافي من إصابات الكاحل، لحقق أرقامًا خرافية على مستوى الأهداف والألقاب والجوائز الفردية.
قد يعجبك أيضاً



