Getty Imagesفي كرة القدم، كما في السياسة، لا توجد صداقات خالدة ولا خصومات أبدية، بل مصالح ومشاعر تتقلب مع الزمن.
وبين الاتحاد والنصر، كُتبت واحدة من أكثر الحكايات إثارة، فهي حكاية بدأت بالعشق والمساندة، وتحولت بمرور الأعوام إلى جفاء وعداوة، حتى صارت أشبه برحلة بين الحب والحرب.
المدرجات الموشحة بالرايات الصفراء، والملاعب التي ضجّت بأشرس المواجهات، صنعت حكاية مختلفة بين الاتحاد والنصر؛ حكاية بدأت صداقة متينة، قبل أن تهزّها التصريحات وتمزقها الصفقات، لتتشكل من جديد فوق نار المنافسة ولهيب البطولات.
صداقة استثنائية
كان المشهد أقرب إلى تحالف غير رسمي، تقوده شخصيتان تاريخيتان؛ الراحل الأمير عبد الرحمن بن سعود في الرياض، ومنصور البلوي في جدة.
كانت خزائن الاتحاد العامرة وقتها تفتح أبوابها لأصفر الرياض، الذي عاش واحدة من أصعب فتراته، في مشهد لا يتكرر كثيرًا بين أندية اعتادت الصراع أكثر من التعاون. حتى الجماهير عاشت الحالة ذاتها، فمشاهد الوفاق لم تقتصر على الإدارات، بل تجسدت في المدرجات أيضا، حين كان جمهور الاتحاد يهتف للنصر في الرياض، وجمهور النصر يرفع رايات الاتحاد في جدة.
وكانت الأهازيج واحدة، والشعارات تتقاطع، حتى بدا الأمر وكأن الأصفرين فريق واحد في جسدين مختلفين. هذه المواقف النبيلة صنعت ما يشبه التحالف التاريخي، الذي حير الوسط الرياضي في وقتٍ لم يعرف فيه الكثيرون معنى الصداقة بين الأندية المتنافسة، لتتحول قصة الاتحاد والنصر إلى نموذج فريد للوفاء والاحترام المتبادل.
بداية الشرخ
استمرت العلاقة التاريخية بين الناديين سواء إدارة أو جماهير، حتى وقعت إحدى المواجهات الشرسة بين الطرفين في عام 2011، ليخرج بعدها الأمير فيصل بن تركي، رئيس النصر السابق، بتصريحات نارية قال خلالها: "ليس لدينا أصدقاء، الناس دائمًا تقول الأصفرين، لكن الحقيقة لا يوجد سوى أصفر واحد وهو العالمي".
تلك الكلمات، وإن بدت في ظاهرها عابرة، كانت بمثابة الصاعقة لجماهير الاتحاد، التي اعتبرت النصر شريكًا في الطريق وليس خصمًا.
ومنذ تلك اللحظة، دخلت العلاقة في مرحلة البرود والجفاء. لم يعد هناك ودّ علني ولا تبادل للدعم، بل صار كل نادٍ يتعامل مع الآخر بصفته منافسًا مباشرًا.
جسر العودة
رغم القطيعة، جاءت كرة القدم لتلعب دورها في إعادة الوصل. ففي 2013، دوّت المفاجأة حين ارتدى محمد نور، القائد التاريخي للاتحاد وأيقونة جدة، قميص النصر.
الأمر كان بمثابة جسر جديد بُني على أنقاض الخلافات، فالانتقال ليس مجرد صفقة، بل كان رمزًا لعودة العلاقات التاريخية، وإحياءً لذكريات التعاون. وساهم نور في عودة النصر إلى منصات التتويج، بينما في الكواليس أعاد دفء العلاقات بين الأصفرين.
توتر العلاقات
لكن سرعان ما تغيّر كل شيء مجددًا، ففي المواسم الأخيرة دخل الأصفران مرحلة الصراع المفتوح، حيث كانت البداية مع ملف اللاعب البرازيلي أنسيلمو، الذي أثار جدلًا بين الناديين، وذلك عندما انضم للنصر في 2021.
وانفجرت الأزمة الكبرى، عندما انضم المهاجم المغربي عبد الرزاق حمد الله إلى الاتحاد، بعد فسخ عقده مع النصر، لتتحول العلاقة إلى حرب جماهيرية، إذ تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات قتال لفظي، فيما اشتعلت المدرجات بالسخرية والهتافات المتبادلة.
زمن النجوم
وجاء الانفتاح الكبير في الكرة السعودية ليضيف حلقة جديدة من مسلسل الصراع، وتحديدًا بعد قدوم الفرنسي كريم بنزيما للاتحاد، في صيف 2023. فالمقارنات بدأت سريعًا مع رونالدو، قائد النصر، لكن الأخير نجح في التفوق خلال الموسم الأول للنجم الفرنسي، الذي لم يكن على قدر التوقعات، بسبب إصابات ومشاكل إدارية وفنية مستمرة.
لكن في الموسم الماضي، استطاع بنزيما في الرد على الجميع، وقاد الاتحاد للفوز على النصر ذهابًا وإيابًا، بالإضافة لتحقيق ثنائية الدوري وكأس الملك، ولقب أفضل لاعب في المسابقة.
صحيح أن رونالدو توج هدافًا للدوري السعودي، في الموسمين الماضيين، لكن تأثير بنزيما على المستوى الجماعي فرض نفسه. وعاد "الدون" ليرد على بنزيما، بإقصاء الاتحاد من نصف نهائي السوبر المحلي، مطلع الموسم الجاري، بالفوز (2-1).
معركة الصمود ورد الاعتبار
يتجدد الصراع بين الأصفرين، غدًا الجمعة، على ملعب "الإنماء" في جدة، ضمن منافسات الجولة الرابعة من دوري روشن للمحترفين. الاتحاد يريد رد الاعتبار بعد جراح السوبر، بينما النصر يسعى لتجديد التفوق، في الوقت الذي يتقاسم فيها الطرفان صدارة الترتيب، بـ9 نقاط لكل منهما.
الخسارة تعني دخول الاتحاد في نفق مُظلم، تزامنًا مع تذبذب المستوى، والمطالبات بإقالة المدرب الفرنسي لوران بلان، فيما يتطلع رفاق رونالدو لتجنب السقوط، من أجل تفادي طعنات الإعلام والجماهير، ومواصلة السير على الطريق الصحيح.
قد يعجبك أيضاً

.jpg?quality=60&auto=webp&format=pjpg&width=317)

.png?quality=60&auto=webp&format=pjpg&width=317)