استحقت كرة القدم لقب "الساحرة المستديرة" منذ بدايتها قبل أكثر من 100 عام، لما تمنحه من متعة وإثارة للجماهير، وسيناريوهات درامية، جعلتها دون منافس، الرياضة الشعبية الأولى في العالم.
تلك السيناريوهات تزيد من تعلق الجماهير بها، بحبس الأنفاس حتى اللحظات الأخيرة، ومنح السعادة لملايين بعد تسلل اليأس إلى نفوسهم، لتقتل أحلام آخرين، بعدما بلغت رؤوسهم عنان السماء.
ويقدم كووورة في سلسلة مثيرة، مجموعة من أكثر السيناريوهات القاتلة في تاريخ كرة القدم بمختلف الملاعب سواء العربية أو العالمية:
الحلقة الرابعة: ريمونتادا برشلونة وباريس سان جيرمان
الزمان: 8 مارس/آذار 2017
المكان: ملعب كامب نو
الحدث: إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا 2017
مهمة مستحيلة
دخل برشلونة اللقاء تحت شعار "تحطيم المستحيل"، نظرًا لصعوبة المهمة، حيث خسر مباراة ذهاب الدور ثمن النهائي في "حديقة الأمراء" برباعية مدوية، كان بطلها أنخيل دي ماريا (هدفان)، وجوليان دراكسلر وإديسون كافاني.
الوضع معقد بالنسبة لكتيبة لويس إنريكي، خصوصًا أن دوري الأبطال هو الهدف الأساسي للفريق، بعدما ظفر به الغريم التقليدي ريال مدريد في العام السابق 2016، فيجب لملمة الجراح وتصحيح المسار بعد الخسارة المدوية في باريس.
ورغم صعوبة المهمة وحاجة البارسا للفوز (4-0) من أجل الذهاب لوقت إضافي، إلا أن جماهيره كانت تؤمن بقدرة الفريق على العودة في ظل امتلاك النادي لجيل تاريخي بقيادة الأسطورة ليونيل ميسي، ومعه لويس سواريز ونيمار وإنييستا، والذي اعتاد على تسجيل نتائج كبرى في هذه المرحلة.
بداية نارية

مع ضربة البداية، شن برشلونة هجومًا عنيفًا على الباريسيين، وبفضل قتال "البوستليرو" لويس سواريز، سجل البارسا الهدف الأول، وبدا الحلم الكتالوني قابلاً للتحقيق.
لكن، أعاد أوناي إيمري سريعا الاتزان لفريقه، بل وبدأ في شن هجمات على برشلونة، واستطاع فريقه أن يصمد على مدار الشوط الأول ويحافظ على مكتسباته، إلا أن الرسام أندريس إنييستا استطاع في الدقيقة 40 أن يورط لايفن كورزاوا في هدف ذاتي أعاد إحياء الآمال.
انكسار وانتصار
انطلق الشوط الثاني للقاء بنفس سيناريو الأول، والفضل كالعادة لإنييستا الذي مرر كرة خادعة لنيمار، استطاع البرازيلي من خلالها أن يورط مدافع باريس في ركلة جزاء انبرى لها ميسي وسجلها بقذيفة في شباك كيفن تراب.
هنا، تحول الحلم إلى حقيقة وانفجر الكامب نو.. وأقرب للجماهير بشكل كبير إليهم، هدف وحيد في 40 دقيقة قادر على تصحيح الأوضاع وإعادة الصراع إلى نقطة الصفر من جديد، لكن أوناي إيمري كان له رأي آخر.
استشعر المدرب الإسباني الشجاع الخطر بشكل جاد، وقرر أن يتبع فلسفة "الهجوم خير وسيلة للدفاع"، واستعان ببطل موقعة الذهاب دي ماريا من أجل تنشيط خطه الهجومي، وترجم الفريق ذلك بهجمات وفرص خطرة على المرمى الكتالوني.
ومع الدقيقة 61 أتت مغامرة إيمري بثمارها، واستطاع إديسون كافاني أن يسكت كل من في الكامب نو، بهدف مدمر أحلام برشلونة، حيث كانت قاعدة أفضلية الهدف خارج الأرض ما تزال مطبقة في أوروبا.
لذلك، بات لزامًا على برشلونة تسجيل 3 أهداف من أجل الصعود، في أقل من نصف ساعة، وإذا ذكرت هذا الأمر أمام أشد المتفائلين من جماهير البارسا آنذاك، كان سينكر إمكانية حدوثه، لكن المفاجأة أن المعجزة حدثت ليست في نصف ساعة ولكن 7 دقائق فقط!.
معجزة قاتلة

سارت المباراة بعد ذلك بين شد وجذب، بل أن كافاني نفسه كاد أن يقتل المباراة تماما بالهدف الثاني من انفراد صريح، لكن أنقذه تير شتيجن بتصدٍ إعجازي ومن بعده ضيع دي ماريا هدفًا محققًا.
وأمام هذه المهمة المستحيلة تملك اليأس من الكتالونيين، حتى جاءت الدقيقة 87 ومن ركلة حرة مباشرة من زاوية صعبة، سجل نيمار الهدف الرابع لبرشلونة، وسط فرحة غير مكتملة ويأس للمدرب لويس إنريكي.
اليأس بدأ يتحول إلى وقود من الأدرينالين دب في عروق كل برشلوني بالملعب بعد دقيقتين فقط، عندما اقتنص سواريز ركلة جزاء تقدم لها الفتى البرازيلي نيمار بكل ثبات وسجله في شباك كيفن تراب لينفجر الملعب بهتاف "ريمونتادا" في انتظار هدف الخلاص.
أعلن الحكم عن 5 دقائق وقت بدل الضائع، ومنذ هذه اللحظة كل من كان في الملعب أو أمام الشاشات وقف يشاهد وينتظر الهدف الذي سيسجل أصعب وأقوى ريمونتادا في تاريخ الساحرة المستديرة.
وأمام هذا الإيمان القوي من كل المشاهدين، تحلى لاعبو البارسا بإيمان مضاعف وعلى رأسهم نيمار "رجل المباراة دون منازع"، الذي استغل كرة مرتدة من دفاعات باريس في آخر ثوان اللقاء وأرسل كرة ساقطة بميزان حساس، لم يكن سيرجي روبيرتو بحاجة إلى أكثر من لمسة لتحويلها إلى شباك الضيوف الذين صعقوا بالوداع المهين، في ليلة لن ينساها أي عاشق لكرة القدم.
