
ميسي لن يخلّد في برشلونة، الجميع يرك ذلك جيدا، ولحظة الفراق ستأتي اليوم أو غدا أو بعد حين، فكما قال النجم الارجنتيني نفسه: العمر لا يرحم، وبالتالي سيكون لهذه الرحلة نهاية في يوم ما.
ليونيل بدا الحديث عن احتمالات ختام مشواره الرائع مع الساحرة المستديرة منذ أن وصل لعمر الثلاثين، فوضع حدا لجميع التكهنات، وأكد أنه يتمنى أن ينهي مشواره في الأرجنتين حيث عشقه مع ناديه الأول نيولز أولد بويز، لكنه في الوقت ذاته أكد أنه لن يرتدي سوى قميص برشلونة أوروبيا، وأن ما بينه وبين النادي الكتالوني حبل حياة لن ينقطع بسهولة.
لكن ما بعد الثلاثين ليس كما قبلها، حيث بدأ برشلونة يشعر مع كل مفاوضات للتجديد بصعوبة في الحصول على توقيع حامل الكرة الذهبية 6 مرات، فالتجديد لعام واحد فقط، وهناك بند لا تنازل عنه وهو السماح له بالرحيل إلى أي وجهة يرغبها دون قيد أو شرط، مع تحديد تاريخ معين لتفعيل هذا البند، وفي ذلك قد يكون ميسي ووالده ومدير أعماله مآرب أخرى.
حقق ميسي مع برشلونة ما لم يكن يحلم به، وعاد برشلونة مع البرغوث إلى خريطة الكرة العالمية، فكلاهما أخذ وأعطى والحصيلة 34 بطولة محلية وأوروبية، منها إضافة 4 ألقاب لدوري الأبطال إلى اللقب الوحيد الذي كان داخل خزائن البارسا، و10 القاب للدوري ضيقت الفارق الذي كان واسعا مع الغريم ريال مدريد، و6 بطولات لكأس الملك أبعدت الفريق الكتالوني في صدارة هذه البطولة كثيرا.
مع برشلونة حطم ميسي العديد من الأرقام القياسية، حيث سجل 91 هدفا في عام 2012 ليحقق رقما إعجازيا في موسم واحد، كما انفرد بجائزة الكرة الذهبية برفعها 6 مرات، ويعتبر أيضا الهداف التاريخي للنادي الكتالوني بتسجيله 633 هدفا خلال 729 مباراة، كما يعتبر حامل الرقم القياسي لعدد الأهداف المسجلة في الدوري الإسباني بتسجيله 444 هدفا في 485 مباراة، رفع معها جائزة هداف الليجا 7 مرات برقم قياسي أيضا، وإذا أردنا أن نحصي ما فعله ليو خلال 16 عاما مع برشلونة، فالشرح سيطول كثيرا.
وبعد هذه الرحلة، التي شارفت على نهايتها، كان الفريق الكتالوني يمر بحالة من الانهيار وبشكل واضح منذ 4 مواسم تحديدا، فالخروج المهين من دوري الأبطال لم يكن فقط أمام بايرن ميونخ، ونتيجة 8-2 لا تعني أنها الأكثر قسوة، فبعد آخر مرة توج فيها برشلونة باللقب، كان موسم 2015-2016 يشكل بداية انتكاسات البطولة الأوروبية الحلم، والبداية كانت مع ريمونتادا اتلتيكو الذي خسر ذهابا 1-2 وفاز إيابا 2-0، في ربع النهائي، تلاه يوفنتوس الايطالي الذي اغرق مرمى البارسا بثلاثية على أرضه، ولم يتمكن الفريق الكتالوني من العودة على الكامب نو.
انهيار برشلونة مع ريمونتادا روما الذي خسر على الكامب نو 1-4 لكنه عاد على ارضه بثلاثية نظيفة، ثم جاءت ريمونتادا ليفربول التي احبطت ميسي ورفاقه، ومع تجدد الأمل بتحقيق اللقب الغائب رغم خسارة لقب الليجا، كانت الضربة القاصمة من البايرن.
لن نبرئ ميسي مما حدث في السنوات الأخيرة مع برشلونة، فأصابع الاتهام كانت تشير إلى عدم رغبته بقدوم مدرب قوي يهدد سلطاته الواسعة في الفريق، كما أنه أصر على عدم التعاقد مع مهاجم صريح للمحافظة على صديقه الوحيد في الفريق لويس سواريز، والذي ارتبط بعلاقة عائلية نادرة بالبرغوث الأرجنتيني، وبقي ميسي وحده يمثل دائرة تسجيل الأهداف من خلال طريقة تدوير الكرة لإيصالها نحو القائد بشكل حول أداء البارسا للملل، في غياب أرقام التسديد وتراجع أرقام التسجيل باستثناء النجم الأرجنتيني الذي حافظ على لقب هداف البطولة.
رحل انييستا وتشافي، ومعهما السيطرة المطلقة على الوسط، وبات مستوى بوسكيتس وبيكيه في خبر كان، وفشلت الصفقات في ترميم البيت الكتالوني المتصدع، فديمبلي واومتيتي رقدا في المستشفى أكثر من المشاركة في المباريات، وكوتينيو لم ينجح لعدم اللعب بمركزه المفضل، وجريزمان على طريق الفشل بعد إجباره على اللعب بمركز الجناح، وارثر تم إجباره على الرحيل رغم قيمته كلاعب للمستقبل، ودي يونج يلعب في غير مركزه، وكل ذلك تحت قيادة فنية ضعيفة سواء لفالفيردي أو سيتين الذي أهانه ميسي عدة مرات بعدم النظر إليه على الأقل خلال فترات الراحة، والابتعاد عن المنطقة التي يقف فيها.
ميسي لن يبرأ مما حدث مع برشلونة، ورغم كل ما قام به في سبيل نهوض الفريق والأهداف الحاسمة التي سجلها، إلا أن سلبيته وهو القائد حول الأحداث التي تعصف بالفريق، وانهيار مستواه بعد كورونا وخسارته للقب الليجا، ومن ثم نجاته بمعجزة من مفاجأة نابولي، قبل كارثة البايرن، يشير إلى أن ميسي كان يضمر شيئا في نفسه، وأكدت الأخبار التي تتداول في السنوات الأخيرة لرغبته في الرحيل، وهو ما حدث في النهاية.
إدارة بارتوميو شريك رئيس فيما آلت إليه الأحداث في برشلونة، وإنفاقها أكثر من مليار يورو على صفقات خاسرة وبعضها لا يحتاجه الفريق، والتعاقد مع مدربين أقل بكثير من حجم برشلونة، كانت مؤثرة للغاية، لكنها ورغم ذلك كانت في كل مرة تحافظ على ميسي وتحقق رغباته وتضخم رصيده في البنوك، في سبيل المحافظة على الدجاجة التي تبيض ذهبا، لكنها لم تكن تعلم بأنها بهذه المعاملة المميزة، صنعت (بعبعا) بات أكبر من الكيان ومن الإدارة ومن بارتوميو نفسه، الذي لم يعد رأسه يكفي لبقاء ميسي في برشلونة.
دعوه يرحل، فمحاولات الإقناع لن تجدي نفعا، دعوه يبحث عن تحد جديد دعاه إليه من قبل منافسه الأول رونالدو، دعوه يثبت أنه من صنع مجد برشلونة، وبإمكانه صنع المجد في مكان آخر، دعوه يرحل، فلعل برشلونة يعيد بناء نفسه، ويجدها فرصة للتخلص من ظل ميسي، وصنع جيل جديد، قادر على إعادة أمجاد الماضي، فبرحيل ميسي، لن يكون هناك خاسر، وسيبقى جمهور الكرة هو الرابح الأكبر.
قد يعجبك أيضاً



