Getty Imagesلم تعد أروقة المدرسة العامة في ألكسندريا، البلدة الصغيرة شرق الولايات المتحدة، تتسع لجوائز نجم سباقات السرعة نواه لايلز، الذي يقفز مبتسمًا بعد أن بات رجل الاستعراض الأول في ألعاب القوى، محطمًا صورة المراهق المتحفظ القليل الحديث وكثير المراقبة.
سطّر لايلز ملحمة جديدة في بطولة العالم بطوكيو، في سباقه المفضّل 200 متر، حيث حقق لقبه الرابع تواليًا بعد الدوحة 2019، ويوجين 2022، وبودابست 2023، لينضم إلى العداء الأسطوري الجامايكي أوسين بولت في هذا النادي المغلق.
وقبل هذا الإنجاز، اكتفى بالميدالية البرونزية في سباق 100 متر.
مع نهاية الصيف والعودة إلى مقاعد الدراسة، يهتف التلاميذ بحماس: "صباح الخير، آنسة باتي!"، تمامًا كما كان يفعل لايلز قبل 10 سنوات.
تتذكر المشرفة صاحبة الشعر الرمادي مراهقًا "هادئًا جدًا، أكثر هدوءًا بكثير من شقيقه جوزيفوس"، الذي يصغره بعام واحد.
كان لايلز في الـ14 عندما التحق بمدرسة ألكسندريا الإعدادية، وبقي في صفوفها حتى تخرجه في المدرسة الثانوية.
سرعان ما اشتهر ببراعته في سباقات المضمار، وشجعه والداه، العداءان السابقان اللذان انفصلا أخيرًا، على بذل المزيد دائمًا والركض بسرعة أكبر.
لكن داخل الصف، كان لايلز الرياضي ينعزل عن محيطه ويكافح لمواكبة الدروس، مثقلاً بعسر القراءة واضطراب نقص الانتباه.
في سن أصغر، تعرض للتنمر من رفاقه الذين سخروا من أسنانه الصفراء بسبب علاج الربو الذي أصابه بنوبات عنيفة حتى بلغ السادسة من عمره.
تتذكر ليزلي جونز، من خلف نظارتها على شكل فراشة، جيدًا لايلز: "كان فتى خجولاً يبحث عن نفسه كشاب، ويحاول التأقلم، وكان يريد فقط أن يكون طالبًا عاديًا في المدرسة الثانوية".
في المدرسة الثانوية، لقنته هذه المعلمة للغة الإنجليزية وفنون المسرح دروسًا في الخطابة، واكتشفت مراهقًا "شديد الملاحظة، يُحلل كل ما يحدث حوله"، فشجعته على أخذ وقته والتعبير عن نفسه.
مايكل جاكسون: بداية التحول
خلال عرضه الأول، أحضر البطل الأولمبي المستقبلي في ألعاب باريس مكعبات خط الانطلاق الخاصة به إلى مسرح المدرسة، وأوضح بدقة كيفية وضع قدميه عليها.
أما في العرض الثاني، فقد كشف عن شخصيته "المدفونة بداخله"، حسب جونز، وقلّد بشفتيه أغنية لمايكل جاكسون وهو يرقص، والتي ستصبح لاحقًا بداية تصرفاته الغريبة خلال دخوله إلى المضمار كعداء محترف.
رافقته والدته، التي منحته الحنان والعطف وغرست بداخله القيم الدينية والإنسانية.
بدوره، يتذكر راليم شاباز، الذي درّس لايلز العلوم الاجتماعية في السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية، جيدًا والدة العداء: "جاءت إليّ ذات مرة وسألتني: "هل كل شيء على ما يرام مع نواه؟ هل هو شخص طيب؟".
يروي شاباز بابتسامة رقيقة: "كان هادئًا للغاية، انطوائيًا، وعميق التفكير. عندما تنظر إليه، ترى رأسه يدور، بينما يجيب الآخرون على الأسئلة بعفوية. وعندما يتحدث، كان يقول شيئًا عميقًا ومدروسًا، لكنه نادرًا ما كان يفعل ذلك".
"العجل أصبح ثورًا"
سلّطت الأضواء على هذا النجم الصاعد بعد فوزه بالميدالية الذهبية في سباق 200 متر خلال دورة الألعاب الأولمبية للشباب 2014 في الصين.
يقول شاباز: "ربما كان يشعر بقدر كبير من الضغط، وبالنسبة لشخص يعاني بالفعل من اضطراب نقص الانتباه، أعتقد أنه، وبعد التفكير، استفزه الأمر وجعل حزنه أكثر ثقلاً".
وبالفعل، كشف العداء الأمريكي بعد سنوات عديدة عن معاناته من اكتئاب عميق.
رأى أستاذ العلوم الاجتماعية أن مشاركة تلك اللحظات من الاكتئاب مع محيطه، حيث تتقلص المعدة ويرتفع مستوى القلق، هو "التواضع المجنون"، لأنه يعني "التفكير في أن ما تمر به شخصيًا يمكن أن يثير اهتمام الآخرين ويلهمهم أيضًا".
أقام شاباز "رابطًا فريدًا" مع بطل العالم 4 مرات في سباق 200 متر، آخرها هذا الأسبوع في طوكيو، والذي يبلغ الآن 28 عامًا.
شاهده يتطور وينفتح تدريجيًا في نهاية المدرسة الثانوية، عندما كانت العديد من الجامعات الأمريكية تتطلع إلى جذب لايلز "جوهرة" ألعاب القوى.
يضيف شاباز: "تحسّن أداؤه وازدادت ثقته بنفسه. أصررتُ على أن يلتحق بإحدى الجامعات، لكنه نظر إليّ مباشرة وقال: "لا، سأصبح محترفًا الآن". خلال 30 عامًا من التدريس، لم يسبق لأحد أن قال لي شيئًا بمثل هذا الإقناع".
لم يخطئ لايلز المنحدر من فلوريدا برهاناته، أما بقية فصول القصة فهي مذهلة من ناحية الإحصائيات والألقاب، وأبرزها خلال أولمبياد باريس العام الماضي، وتحديدًا في السباق الأبرز عالميًا، أي سباق 100 متر.
عاد لايلز إلى مدرسة طفولته عدة مرات، عانق أستاذته ليزلي جونز التي ظلت قريبة من المراهق الانطوائي، وابتسم بكل فخر لأستاذه في مادة العلوم الاجتماعية راليم شاباز.
وعندما رأى الأخير الميدالية الذهبية حول عنقه، قال: "هذا كل شيء. لقد أصبح العجل ثورًا".



