إعلان
إعلان

متى يعلنون اعتزال العرب؟

ريان الجدعاني
27 يناير 201604:40
vrcqbsvx
تعمدت استبدال كلمة في عنوان المقال عبر استخدام كلمة "اعتزال" بدلاً من الكلمة القاسية التي كتبها الشاعر الكبير نزار قباني رحمه الله وكانت عنواناً لأقسى قصائده الموجهة ضد مجتمعه العربي في القرن الماضي وهي:"متى يعلنون وفاة العرب؟!".

لأننا في مجال كرة القدم أحببت استبدال تلك الكلمة القاسية بكلمة "اعتزال" بعد أن شاهدت بأسى تدهور حال المنتخبات العربية في كأس أمم آسيا 2016 لتحت 23 عاماً بدولة قطر، ولكي أكون أكثر دقة، استمرار استهتار اتحادات عرب آسيا تجاه بطولاتهم القارية لتكون النتائج ماثلة أمامنا وهي الغياب عن الألقاب.

السقوط المروع لمنتخبي العراق وقطر أمام عملاقي قارة آسيا اليابان وكوريا الجنوبية، في دور الأربعة من كأس آسيا 2016 لتحت 23 عاماً، تعتبر صورة مكررة لضعف عرب آسيا أمام أشقائهم شرق آسيا الذين يتعاملون مع البطولات الآسيوية بجدية تامة ليحصدوا الألقاب بعكس الاتحادات العربية الذين لا يزالون يتعاملون مع كأس آسيا بعقلية الثمانينات والتسعينات!، بدليل أن بعض المنتخبات الأولمبية العربية أقامت المعسكرات التدريبية قبل انطلاق منافسات كأس آسيا بثلاث أسابيع فقط، بعكس اليابان مثلاً التي أقامت طوال عامي 2014 و2015 معسكرات متقطعة داخل اليابان وخارجها من أجل خلق انسجام بين اللاعبين، ليستحقوا الفوز على العراق والتأهل بجدارة إلى أولمبياد ريو دي جانيرو البرازيلية 2016.

بخصوص منتخب العراق الأولمبي، فقد فاز بالنسخة الأولى من كأس آسيا 2014 لتحت 23 عاماً بسلطنة عمان بجانب حصد منتخبي السعودية والأردن مركزي الثاني والثالث على التوالي، وفي المقابل خرجت اليابان من دور الثمانية على يد العراق لأن اليابان اعتمدت على لاعبين تحت سن 19، وقد تعمدت اليابان اختيار اللاعبين الصغار لكي يكونوا جاهزين مبكراً لنسخة 2016 التي ستكون مؤهلة لأولمبياد ريو 2016 بعكس منتخب العراق الذي فاز بالنسخة الهامشية بلاعبين فوق سن 21 عاماً ليخوض النسخة الحقيقية والجدية بلاعبين لا يمتلكون الخبرة في البطولة الآسيوية.

أما عن منتخب قطر، فأن سياسة أكاديمية أسباير أثبتت عدم نجاحها في مجال كرة القدم، وتحديداً اتفاقية التعاون مع بعض الأندية الأوروبية مثل فريق ايوبين البلجيكي والتي تنص على إرسال الموهوبين في أكاديمية أسباير إلى الفريق البلجيكي، لتشهد قائمة منتخب قطر الأولمبي وجود ستة لاعبين من الفريق البلجيكي، حيث لا تخلق مثل هذه الاتفاقيات لاعبين أقوياء قادرين على مقارعة الخصوم في المباريات الحاسمة بعكس اللاعبين اليابانيين والكوريين الذين احترفوا بجدارة واستحقاق إلى الأندية الأوروبية دون مساعدة الأكاديميات لأن مستوياتهم الفنية نالت إعجاب مدربي الأندية الأوروبية وليس توصية من أكاديمية أو شركة إعلانية!

ذكرتني اتفاقية أسباير مع بعض الأندية الأوروبية بسخرية المدرب الفرنسي فيليب تروسيه من الشركات اليابانية التي أرسلت في 2002 اللاعبين الشبان اليابانيين إلى بعض الأندية الأوروبية عبر اتفاقية التعاون، حيث وصف تروسيه الشبان اليابانيين الجالسين بالقرب من الملعب بـ"اللاجئين" الذين ينتظرون من المدرب نظرة عطف لكي يسمح لهم باللعب في المباريات، فالمدربين الأوروبيين لا يثقون باللاعبين القادمين للنادي عبر اتفاقية تعاون، لتسهم سخرية تروسيه في إلغاء الشركات اليابانية هذه السياسة التي أثبتت فشلها، بعكس الاتحاد الياباني لكرة القدم الذي رفض منذ القرن الماضي التدخل في موضوع احتراف اللاعب الياباني لقارة أوروبا، ليجعل اللاعب الياباني يحترف "لوحده" إلى أندية أوروبا التي أقنعها بمستواه الفني بالمنتخب الياباني وبمباريات الدوري الياباني.

ما بين عشوائية الاتحاد العراقي لكرة القدم وسياسة الأكاديميات القطرية الغير الموفقة، ضاعت الكرة العربية في قارة آسيا لتكون غائبة عن نهائيات كأس العالم في آخر نسختين 2010 بجنوب أفريقيا و2014 بالبرازيل، وضاع معها الإعلام العربي الذي لا يزال يتعامل مع الكرة الآسيوية بطريقة مضحكة ومبكية في نفس الوقت!، فلا تزال استوديوهات التحليل العربية ترفض الاعتراف بحقيقة ضعف كرتها وعشوائية اتحاداتها الكروية مقابل تطور كرة غير العرب الآسيوية، ليستبدلوها بكلمة "منتخبات شرق آسيا محظوظة!" عبر وصف انتصارات كوريا الجنوبية واليابان بالحظ، ونظر خاطفة على أحاديث وسائل الإعلام العراقية والقطرية وقبلها الإعلام الأردني والسوري والسعودي والإماراتي بعد خروجهم من البطولة الآسيوية يجعلنا نؤمن بأن فكرة اعتزال العرب من رياضة كرة القدم ليست ساخرة بل واقعية!

فأحبائنا العرب لم يتعلموا من الدروس والعبر في مجال كرة القدم منذ السبعينات القرن الماضي، لتتكرر نفس أخطائهم التي تتعلق في عدم معرفتهم كيفية تأسيس لاعب كرة قدم حقيقي ذو شهادة علمية عالية وأيضاً كيفية جعل المنتخب والأندية المحلية مرتبطة بالمجتمع، لتخدم رياضة كرة القدم المجتمع وتتحرر من ثقافة "الفوز والخسارة" التي حصرت كرة القدم في زاوية ضيقة ورمادية.

ختاماً، قال رحمه الله الشاعر الكبير نزار قباني في منتصف قصيدته الشهيرة:" إذا أعلنوا ذات يوم وفاة العرب... ففي أي مقبرة يدفنون؟ ومن سوف يبكي عليهم؟"..، فبدلاً من الكلمة القاسية "الوفاة" نقوم بتعديل هذه القصيدة من أجل الإجابة على أهم سؤال بعد أن تعلن المنتخبات العربية الاعتزال النهائي:" إذا أعلنوا ذات يوم اعتزال العرب... ففي أي وظيفة سيعملون؟ ومن سوف يبكي عليهم؟.. سيبكي عليهم فقط الجماهير الوفية التي كُتب عليها الحزن على حال منتخباتها من القرن الماضي إلى وقتنا الحالي!".
إعلان
إعلان
إعلان
إعلان