
هي أحداث درامية، تصلح للدخول في عقل مؤلف سينمائي، كي يخرج منها تحفة تستحق المنافسة على جائزة الأوسكار، فما حدث في الجولتين الآخيرتين من دور المجموعات لدوري أبطال آسيا، وما تبعها من الإعلان عن إبعاد حامل اللقب الهلال السعودي عن استكمال مشوار المنافسة، أمر غير مسبوق في عالم الكرة.
تطورات الأحداث اضطرتنا للجلوس أمام الشاشة، ومتابعة الأمور بكل اهتمام وترقب، فالمعلومات غائبة تماما، والأمور تسري على الأرض في الظلام، الهلال قدم قائمته منقوصة عن العدد المطلوب بلاعبين، وفي الوقت ذاته تحركت حافلته نحو الملعب، الفريقان وصلا، شباب الأهلي دبي والحكام يجرون عمليات الإحماء، ولاعبو الهلال لم يظهروا، الحكام والفريقين أمام بوابة دخول الملعب، ولكنهم انتظروا حتى يأتيهم القرار الحاسم من الرجل الأنيق ببدلته الرسمية، قول لهم..المباراة ألغيب.
بدأت حالة من الهرج والمرج، والكل يبحث عن الحقيقة، الهلال أغلق على بعثته، الاتحاد الأسيوي صامت، وهو ما فتح بابا واسعا للتكهنات..الاتحاد الآسيوي قرر اعتبار الهلال منسحبا.. الهلال باق في البطولة..الاتحاد الآسيوي اعتبر ما حدث أمر خارج عن إرادة الهلال... لكن الضباب انقشع في النهاية..أصدر الاتحاد الآسيوي بيانه الذي يبدو أنه كان جاهز سلفا، بشرح مستفيض للأحداث التي رافقت قرار إلغاء المباراة وإبعاد حامل اللقب.
لن ندافع عن أحد، فجبل الجليد بدأ بالذوبان..كاشفا عما يخفيه..والحقيقة المرة التي أكدت أن الجميع شارك في ذبح الهلال، وإخراج المرشح الأول للفوز باللقب.
لنبدأ من الرياض، حيث احتفل الهلال باستعادة لقب الدوري السعودي، ورفع كأس دوري الأمير محمد بن سلمان في نسخته الفريدة أمام مدرجات خالية، لكن رغم ذلك، بالغ اللاعبون في الاحتفال خارج الملعب، وكأن الموسم قد انتهى لتوه، ورغم كل التحذيرات من السلطات الصحية السعودية بالتجمع والاختلاط، إلا أن فرحة اللقب الغائب، جعلت الجميع يغفل عن جسامة المهمة القادمة، والمتمثلة في الدفاع عن الكأس الآسيوية الغالية.
بعد أيام، عاد الفريق للتجمع، وحمل أمتعته قاصدا الدوحة، وهناك تحولت فصول الحكاية، مع ظهور أول نتائج الفحص الروتيني لفيروس كورونا، وتبدأ سلسلة الإصابات بالظهور في صفوف البعثة يوما بعد يوم.
حسب ما أشار مصدر في بعثة الهلال لكووورة، فقد شعرت إدارة البعثة بأن التهوية في فندق الفريق غير كافية، وتمت المطالبة بتغيير الفندق، مع ظهور بعض حالات الإصابة بالفيروس، لكن لم يتم تلبية هذا الطلب، وهنا كان عامل جديد يدخل على خط المسؤولية، في مضاعفة الإصابات، بدلا من أخذ المزيد من الحيطة، وزيادة التباعد بين اللاعبين في سكنهم..
ما اكتشف لاحقا، أن الهلال لم يكمل قائمته التي سمح تعليمات البطولة بأن تكون 35 لاعبا، وحسب بيان الاتحاد الآسيوي فقد اكتفى الهلال بتسجيل 30 لاعبا، ذهب منهم 27 إلى الدوحة.. ورد النادي كان على ذلك أن الهلال اتبع تعليمات بطولة الدوري السعودي كي لا تتضارب الأمور، فاكتفى بقائمة من 30 لاعبا، لكنه لم يكمل حتى قائمته، ولم يتوقع أكثر المتشائمين الهلاليين ما حدث، فالثلاثة الذين بقوا في الرياض كان بإمكانهم إنقاذ الفريق.
الاتحاد الآسيوي قال إنه طبق تعليماته بحذافيرها، لكنه لم يقر بالخطأ في وضع شرط الـ 13 لاعبا قبل المباراة، وهو ينظم بطولة تجميعية لجميع فرق البطولة في مكان واحد، وضغط المباريات بشكل رهيب لينهي البطولة بالسرعة الممكنة، دون مراعاة أن العالم يعيش ظرفا خطيرا وطارئا بوجود الفيروس القاتل، ومعه لا بد من وضع أسس ومعايير للتعامل مع حالات انتشار الفيروس، ومنها فتح المجال للفرق لتعويض النقص، أو تاجيل المباريات، وهو الأمر الذي طالب به الهلال، لكنه قوبل بتعنت غريب، وكان على الاتحاد الآسيوي مراعاة الظرف القاهر على الأقل بإعلان خسارة الهلال لمباراة شباب الأهلي دبي، ومنحه فرصة آخرى لإكمال قائمة لاعبيه المؤهلين للدور التالي، أوتأجيل مباراتي المجموعة الثانية التي ينافس فيها الهلال ليومين أو ثلاثة على أبعد تقدير، ومعها تأجيل دور الـ 16 الذي يضم 4 مباريات فقط في شطره الغربي من آسيا.
جميع الأطراف كانت مذنبة، والهلال كان الضحية الوحيدة في حادثة استفزت الصحافة العالمية، واتهمت الاتحاد الآسيوي بإبعاد الهلال بسبب كورونا، والأمر حظي بتعاطف كبيبر مع الهلال ولاعبيه، وهم يخرجون من المنافسة بسبب إصابتة معظمه بالفيروس الخطير، ولم يتم مراعاتهم كما حدث في كثير من البطولات والدوريات في العالم بأسره.
ما حدث مع الهلال يستوجب على الجميع وضع كل الاحتمالات في الحسبان قبل الانطلاق لأي بطولة، وقراءة ما بين السطور، حتى لا يترك مكانا للصدفة، ويبقى الأمور تحت السيطرة.
خرج الهلال من البطولة التي عشقها، واحتفل كثيرا برفع كأسها من جديد، خرج وهو لم يخسر أية مباراة، ولكنه خسر أمام فيروس صغير لا يكاد يرى بالمجهر..خرج بسبب كلمات مرسومة على أوراق..خرج حزينا ولكن برأس مرفوع، فما حدث فوق إرادته، والأمل الآن معقود على ما بقي من فرسان للحفاظ على اللقب عربيا لسنة جديدة.
قد يعجبك أيضاً



