
منذ الحرب العالمية الثانية، لم تشهد البشرية هذا الترقب والرعب ولا توقف للحياة خاصة في القارة الأوروبية، كما هو الحال في هذه الأيام.
الحياة تسير على عقاب وباء كورونا المتفشي في جميع أنحاء العالم، والذي حصد الآلاف من الأرواح خلال أيام قليلة منذ الإعلان عن اكتشافه في مدينة ووهان الصينية، ومن ثم زحفه إلى الجيران ومنها إلى أوروبا وباقي دول العالم.
في إيطاليا، كانت الانطلاقة الأولى لشارة التحذير الكوني، ففي مدينة ميلان تحديدا، كانت الحياة تتوقف، والشوارع تخلو من المارة، وهو أمر استوجب اتخاذ القرار الأول بإقامة مباريات دون جمهور، ثم تأجيل المباريات، ثم إيقاف البطولات جميعا حتى إشعار آخر.
الخطر الأكبر بدأ بالظهور سريعا، بإصابة أكثر من لاعب ممن يعتبرون النخبة العالمية بهذا الفيروس، بدأت بلاعب اليوفي روجاني، ثم ثبوت إصابة زميله ديبالا، ودخول النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو الحجر الصحي الاختياري في منزله بالبرتغال، نظرا لاحتمال تعرضه للفيروس.
بريطانيا لم تسلم من هذا الوباء الخطير، حيث أعلن عن إصابة مدرب آرسنال أرتيتا ومن قبله رئيس نادي أولمبياكوس الذي كان قد تابع مباراة للفريقين في الدوري الأوروبي، وبعدها أكثر من لاعب آخرهم لاعب تشيلسي أودوي، والقائمة قد تطول، نظرا للاختلاط الكبير بين اللاعبين سواء في التدريب أو المباريات أو غرف تبديل الملابس.
للأمانة، كنت من الذين يؤمنون بأن الأمر لا يتعدى حربا بين القوى العظمى، وأن من صنع الفيروس، يمتلك الترياق القادر على إيقافه، والأمر سبق وحدث مع فيروسات أخرى مثل السارس والجمرة الخبيثة وأنفلونزا الطيور ومن بعدها الخنازير..وغيرها من الأمراض التي تعتبر صناعة لاستخدامها سلاحا في النزاعات الدولية، لكن الأمر بهذا الشكل، بدأ يأخذ منحى خطرا للغاية.
حملات التوعية التي بدأت بشكل اختياري، ومن ثم تحولت لإيقاف النشاطات قسرا، بل ووصل الأمر في مدينة مثل ميلان الإيطالية لنزول الجيش إلى الشوارع لمنع التجوال، ومنح المواطنين بضع ساعات للتسوق والتزود بالمواد التموينية الضرورية ومن ثم العودة للبيوت ثانية، وهو أمر يثبت خطورة هذا الداء الفتاك على جميع مناحي الحياة، وعلى الرياضة باعتبارها واحدة من العوامل الاقتصادية والترفيهية الأكثر أهمية في عصرنا الحديث.
كان موضوع تأجيل مباراة في دوري أوروبي أو تصفيات كأس العالم، واحدا من المستحيلات، ويستوجب سرد عشرات الأسباب والمبررات، وإرسال الأدلة والبراهين وراي الخبراء، بضرورة مجرد التأجيل أو تغيير الملعب، حتى أن فريق ليفربول اضطر للعب بفريقين، أحدهما في مونديال الأندية، والآخر في كأس الرابطة الإنجليزية، بسبب الاعتذار عن تلبية طلبه في تأجيل مباراة الرابطة نظرا للالتزامات التسويقية، واستحالة إقامتها في وقت آخر، وهو ما كلف الفريق الشاب الذي مثل الريدز الخسارة بخماسية من استون فيلا وخروجه من الدور ربع النهائي لبطولة كانت تعتبر في اليد.
الآن بات الأمر مختلفا تماما، فقرار التأجيل جاهز للتوقيع، بل والأمر تطور لإيقاف بطولات بأكملها، بدأت بإيطاليا، ثم انتقلت لليجا، وحاليا اقتنع الاتحاد الأوروبي بإقامة بعض المباريات بدون جمهور، وقد يتطور الأمر لتأجيل بقية مباريات ربع نهائي دوري الأبطال وما تبقى من مباريات الدوري الأوروبي.
في آسيا أيضا كان التصرف سريعا بإيقاف دوري الأبطال وكأس الاتحاد، وتجاوب الفيفا سريعا مع طلب تأجيل التصفيات التمهيدية لبطولتي كأس آسيا وكأس العالم، وقبلها اجتهدت اتحادات الكرة في السعودية والإمارات بإقامة المباريات دون جمهور، وتوقفت الحياة الكروية في الكويت.. وفي مصر اتخذ قرار منع الجماهير من حضور المباريات، رغم إقامتها أصلا دون جمهور، ولكن المنع هذه المرة يطول بعض من كان يسمح لهم بالحضور على قلتهم.
في ظل تفشي المرض بين بعض اللاعبين والمدربين، ووجود الآلاف من الحالات التي لم يتم اكتشافها بعد نظرا لصعوبة الحصر، أعتقد أن فيروس كورونا، سيكون بطل الكرة في 2020، الذي تجاوز جميع الحواجز الاقتصادية، وأولويات الربح التي كانت تتحدث بها الاتحادات قبل التفكير باي عذر للتأجيل أو الترحيل.
الأمر قد يجعلنا نبدأ بتحضير أنفسنا لما هو أسوأ، فالتأجيل ليس الحل الوحيد، وقد يتبعه قرارات بإلغاء بعض البطولات، والتفكير ببدائل نظرا لاقتراب الموسم الكروي من نهايته، وذلك حفاظا على الاستمرارية في المواسم القادمة، حيث تدرس بعض الاتحادات خيارات اعتماد الجداول كما هي وإعلان البطل دون خوض باقي البطولة، وأخرى تقترح إلغاء المسابقة وكأنها لم تكن..
اقتصاديا..الكثير من القوى العظمى في كرة القدم ستكون مهددة بالإفلاس مع تأجيل أو إيقاف البطولات، وكلما تقدمنا في الوقت ارتفعت الخسائر، فمثلا مباراة برشلونة ونابولي في إياب ربع نهائي دوري الأبطال، ستؤدي لخسارة برشلونة 6 ملايين يورو فقط من تذاكر الجماهير، باستثناء النقل التلفزيوني والإعلان، وفي إسبانيا يتوقع أن تصل خسائر الرياضة من هذا الوباء بحدود مليار يورو، وفي أوروبا أكثر من 2.5 مليار، وقد يصل تأثير كورونا إلى كارثة اقتصادية بكل ما في الكلمة من معنى، حيث ستنخفض قيمة الأندية السوقية، وقد تضطر لتسريع بعض اللاعبين، وتنخفض الأسعار كثيرا في الميركاتو العالمي.
سننتظر كغيرنا ونترقب الأحداث القادمة، عل الله تعالى أن يفرج هذا الكرب، وتنجلي الغمة، وتذهب كل التوقعات والحسابات أدراج الرياح.







