
أثنى المدرب الإيطالي الأسطوري أريجو ساكي على الفلسفة الكروية التي يقدمها الإسباني سيسك فابريجاس مع فريق كومو في الكالتشيو، مؤكداً أن النجم السابق لبرشلونة وآرسنال يطبّق أفكاراً هجومية راقية مستوحاة من "أفضل جامعات كرة القدم في أوروبا"، على حد تعبيره.
ووفقاً لصحيفة "لا جازيتا ديللو سبورت" الإيطالية، تحدّث ساكي في مقابلة مطوّلة عن رؤيته للمواجهة المرتقبة بين نابولي وكومو، ضمن منافسات الدوري الإيطالي، مبدياً إعجابه الشديد بطريقة لعب فريق فابريجاس، ومتوقعاً مباراة مفتوحة ومليئة بالإثارة على ملعب دييجو أرماندو مارادونا.
وقال ساكي: "لا أعرف فابريجاس شخصياً، لكنني أتابع طريقة لعب كومو بإعجاب كبير. إنه قادم من مدرستين عظميين، وتعلّم في أفضل جامعات كرة القدم في أوروبا: آرسنال وبرشلونة. لقد اكتسب فهماً عميقاً لجمال اللعبة. عندما يكون أساتذتك هم آرسين فينجر وبيب جوارديولا، فمن الصعب أن تخطئ الطريق".
وأضاف: "انظر إلى تحركات لاعبي كومو في الملعب، إنهم يعرفون دائماً ماذا يفعلون، وأي المساحات يحتلون، وكيف يتصرفون تحت الضغط. هل يمكنك أن تقول وأنت تشاهدهم إنهم فريق صغير من الأقاليم؟ بالطبع لا. ومن صاحب الفضل في ذلك إن لم يكن المدرب؟".
أسلوب هجومي جريء وتنظيم جماعي
ويرى ساكي أن فابريجاس يسعى إلى مجاراة نابولي بأسلوب هجومي شجاع، موضحاً: "فابريجاس سيطلب من لاعبيه تطبيق ضغط عالٍ جداً، لأنه لا يريد السماح للمنافس ببناء اللعب من الخلف. يعتمد على خط دفاع متقدم، لكن عليه أن يكون حذراً لأن نابولي يملك لاعبين يجيدون استغلال المساحات".
وتابع الأسطورة الإيطالية قائلاً: "أفكر هنا في سكوت ماكتوميناي، الذي يتمتع بفعالية نادرة في وسط الميدان، وفي سرعة راسموس هويلوند. لذلك أتوقع مباراة مفتوحة ومليئة بالفرص بين الفريقين".
فابريجاس يرفض "ركن الحافلة"
كما شدد ساكي على أن فابريجاس لا يؤمن بأسلوب الدفاع المبالغ فيه، قائلاً: "من يظن أن كومو سيتوجه إلى هناك ليركن الحافلة كما تفعل بعض الفرق، فهو مخطئ. فابريجاس يمتلك لاعبي وسط موهوبين مثل نيكو باز، ويحب كرة التمريرات القصيرة والبناء المنظم والهجمات المنسقة، ثم البحث عن الكرات البينية. على نابولي أن يكون يقظاً وألا يترك فراغات خلف خطوطه".
ويعيش كومو واحدة من أفضل فتراته منذ صعوده إلى دوري الدرجة الأولى، إذ يحتل مركزاً قريباً من المراكز المؤهلة إلى دوري أبطال أوروبا، بعدما جمع 16 نقطة من 9 مباريات، متأخراً بنقطتين فقط عن أصحاب المراكز الأوروبية.
أما نابولي، فيتشارك صدارة الترتيب مع روما برصيد 21 نقطة من 9 مباريات، متقدماً بخمس نقاط على كومو، لكنه خسر في اثنتين من آخر خمس مواجهات، بينما حافظ كومو على سجله خالياً من الهزائم في الفترة ذاتها، بتحقيق 3 تعادلات وانتصارين، ما يعكس التوازن الفني الكبير الذي صنعه فابريجاس في فريقه الصاعد.
EPA
من تاجر أحذية إلى أسطورة تدريب
يُعتبر أريجو ساكي أحد أعظم العقول التدريبية في تاريخ كرة القدم، ورمزاً للثورة التي غيّرت وجه اللعبة في إيطاليا خلال ثمانينيات القرن الماضي. وُلد ساكي في 10 أبريل 1946 بمدينة فيوزولا الإيطالية، وبدأ مسيرته بعيداً عن الملاعب، إذ لم يكن لاعباً محترفاً، بل عمل في تجارة الأحذية قبل أن يدفعه شغفه إلى دخول عالم التدريب من الصفر، مع فرق الهواة.
واجه ساكي في بداياته الكثير من السخرية والشكوك بسبب عدم امتلاكه خلفية كلاعب، لكن فكره المختلف سرعان ما جذب الأنظار. بدأ مسيرته مع فرق صغيرة مثل باراتشي وفوسيني، ثم تولى تدريب فرق الشباب في تشيزينا، قبل أن يقود بارما في بداية الثمانينيات، وهي التجربة التي شكّلت نقطة التحول الكبرى في حياته.
في بارما، قدّم ساكي كرة هجومية حديثة كسرت التقاليد الإيطالية المحافظة، وابتعد عن أسلوب "الكاتيناتشو" القائم على الدفاع الصارم والرقابة الفردية، ليفرض أسلوباً جديداً يعتمد على الضغط العالي والتنظيم الجماعي. ومع أن بارما كان فريقاً متواضع الإمكانيات، إلا أنه حقق نتائج مذهلة، أبرزها الفوز على ميلان في كأس إيطاليا عام 1987، وهي المباراة التي لفتت انتباه مالك ميلان الجديد آنذاك سيلفيو برلسكوني، الذي قرر التعاقد معه لقيادة مشروعه الطموح.
ميلان الثوري وصناعة التاريخ
انضم ساكي إلى ميلان في صيف 1987، وهناك كتب واحدة من أعظم صفحات التاريخ الكروي. في موسمه الأول، قاد الفريق إلى لقب الدوري الإيطالي 1988 بعد غياب طويل، ثم فاز بـ دوري أبطال أوروبا مرتين متتاليتين عامي 1989 و1990، مقدماً كرة هجومية منظمة تعتمد على الضغط العالي، الدفاع المتقدم، واللعب الجماعي السريع.
اشتهر ساكي بفلسفته القائمة على مبدأ أن "الفريق وحدة واحدة"، مؤكداً أن النجاح لا يتحقق بالمواهب الفردية فقط، بل بالانضباط والتناغم بين الخطوط. ومع وجود نجوم من طراز فرانكو باريزي، باولو مالديني، رود خوليت، ماركو فان باستن، وفرانك رايكارد، صنع ساكي جيلاً مرعباً سيطر على أوروبا بأسلوب لم تعرفه الكرة الإيطالية من قبل.
لم تتوقف إنجازاته عند ميلان، إذ تولى تدريب المنتخب الإيطالي عام 1991، وقاده إلى نهائي كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة، قبل أن يخسر أمام البرازيل بركلات الترجيح. ورغم تلك الهزيمة، نال احترام العالم بفضل التنظيم الدفاعي والهجومي المتوازن الذي قدّمه "الآزوري" تحت قيادته.
لاحقاً، عاد ساكي لتدريب ميلان لفترة قصيرة، ثم عمل في مناصب فنية عدة، من بينها مدير فني في ريال مدريد عام 2004، حيث شارك في وضع أسس التطوير التكتيكي للنادي الملكي.
إرث خالد وإلهام للأجيال
اليوم، وبعد مرور عقود على تلك الحقبة الذهبية، يُنظر إلى أريجو ساكي كأحد روّاد الفكر التكتيكي الحديث، ومرجعاً لمدربين عظماء في العصر الحديث مثل بيب جوارديولا، يورجن كلوب، وكارلو أنشيلوتي، الذين تأثروا بفلسفته القائمة على الضغط الجماعي والتحرك المنظم واللعب كمنظومة واحدة.
لقد أثبت ساكي أن الشغف والفكر يمكن أن يتغلبا على كل القيود، وأن النجاح لا يحتاج بالضرورة إلى ماضٍ كلاعب محترف، بل إلى رؤية وإيمان بفلسفة. وهكذا، أصبح المدرب الذي بدأ من تجارة الأحذية هو من غيّر فلسفة كرة القدم الإيطالية وألهم أجيالاً كاملة من المدربين حول العالم.
قد يعجبك أيضاً



