Reutersسلم متواضع في بيت ريفي عادي وقف مارادونا عليه مرتديا ملابس عادية جدا، يمكن لأي فقير في العالم ان يشتريها، وقد التقطت له صورة كتب فوقها "انا مارادونا لا أكثر" .. كان ذلك مطلع العام 1981، جذبتنا الصورة ولم نكن بعد عرفنا الكثير .. تساءلنا في انفسنا، من هذا الـ "مارادونا"؟.
وفي زمن لم تكن فيه الفضائيات ولا الكومبيوترات، كان علينا ان ننتظر كاس العالم 1982 لنعرف من هو مارادونا، ولما وقع الأمر بتنا نعرف الكثير عن الشخص الذي صرت تسأل اي ارجنتيني صاعد لعمارة فيها عدة طوابق بالمصعد فلا يذكر الرقم 10 لو كان صاعدا اليه، وبدلا من ذلك يقول "مارادونا".
كان العالم يضج من كثرة اخبار ذلك الفتى والبرلمان الإيطالي يثير جلبة وهو يتساءل كيف يمكن لـ"بني ادم" ان يباع بمبلغ يزيد عن " مليون دولار" بعدما تحدثت انباء عن رغبة برشلونة بشرائه مقابل "5" ملاين جنيه استرليني العام 1983.
هذا المليون لم يعد يذكر في عقود اللاعبين الحاليين ويشاء القدر ان يستخدمه مارادونا نفسه قبل سنوات لا تزيد عن ثلاث حين كان يدرب الوصل الإماراتي وقد ضرب به مثالا عن السعر المتدني للاعبين بالقول: "ان اشتريت لاعبا سعره مليون دولار فستفرح حتما ان اصاب برأسه العارضة".
اليوم أخبار ميسي تملئ العالم ضجيجا إيجابيا، وربما كان الثمن الذي دفعه برشلونة لمارادونا وأثار العالم يوازي -ان لم يقل أصلا- الثمن الذي دفعته بعض الفضائيات لنقل أحداث وقائع فوز ميسي بلقب أفضل لاعب في العالم، وعليه فان المليون الذي بالكاد يكفي لان يصيب لاعب براسه العارضة، قد لا يكفي ايضا، لعمل تسريحات بشعر لبيكهام ورود خوليت وفرانك رايكارد في السنة.
ميسي يحطم الارقام القياسية والقلوب بتواضعه وعدم اثارته المشاكل حيث تعهد على نفسه فيما يبدو ان يمتع سكان الكرة الأرضية والا ينغص عليهم حياتهم بأية مشكلة مهما كانت صغيرة، وهذا مع أهدافه وتقنياته أجمل ما فيه.
أما مارادونا فأضاف بعض البهارات على حياته فكان مثيرا للجدل في كل حرف نطق به وكل تصرف قام به، وهذا ما نريد تجاوزه لنقف عند الحدود الأكثر بهاء في حياة الولد الفقير الذي يتذكر العالم كيف سجل هدفين بمرمى انجلترا العام 1986بطريقتين مختلفتين تلخصان حياته المهنية والتي اختزلتها في اليوم التالي صحيفة التايمز حين عنونت غلافها بثلاث كلمات "مارادونا..غشاش وعبقري".
ما يقوم به ميسي خارق لكنه متوقع ومعتاد وما كان يقوم به مارادونا كان خارج حسابات العقل والتوقعات، ومباراته ضد المجر التي لعبها بالموندياليتو في اسبانيا 1982والتي لا يتذكرها الناس كثيرا خير شاهد على ذلك، ففي لقطة نادرة راوغ ثلاثة لاعبين ودخل المنطقة المحرمة وهم فاغرين افواههم، لا يدرون كيف تخطاهم.
قصة حياة مارادونا كانت ملهمة لفيلم روائي وثائقي مميز تبناه المخرج الصربي الشهير إمير كوستوريكا الذي اختزل الفيلم الذي شارك بعدة مهرجانات عالمية بالقول "سيكون فيلما معقدا عن مارادونا سيد الفضائح ولكن هذا لا يعني أن نعلق له المشانق قبل محاكمته، إن هذا الامر يحبط الخير الموجود بداخله والذي يوجد منه الكثير".
لكن هل يمكن لقصة ميسي ان تنحشر في فيلم؟ الجواب لا، فميسي لا يثير الشبهات والمشاكل ولا يوجد في حياته ما يصلح ليكون فيلما روائيا، اما وثائقيا فيمكن لأي شاب عادي ان يحصي اهدافه وحركاته ويجمعها وحينها يمكن تسميتها بأي شيء.. إلا فيلم.
مارادونا انزلق في فناء بيتهم بحفرة وهو يلحق بالكرة وكان من الممكن ان يموت، وكان فقيرا حانقا حتى على جارهم اللحام الذي رفض غير مرة ان يداينهم ثمن بضع قطع من اللحم، ولما صار مليونيرا وتزوج قال وهو ممسك بالمايكروفون انه يهدي زفافه لذلك اللحام، في إشارة الى ان بإمكانه الان شراء اللحم.
ومن اللقطات التي لا تنسى في فيلم "مارادونا الإنسان" تلك التي واجه فيها مدعية القضاء الإيطالية صارخا فيها فيما محامية يحاول ثنيه إذ يقول لها "هل اسعدت أحدا من قبل، حتى زوجك، أنا أسعدت شعب الأرجنتين بأكمله".
لكن هل توجد لقطات مماثلة في حياة ميسي.. الجواب لا أيضا.
ميسي تفرغ للكرة وجمالياتها ومارادونا اضفى على حياته دراما من نوع خاص، وهي نتاج لجيل ارجنتيني بدأ يتنفس الحرية بعد انتخابات 1983 ودعوات ألفونسين للوحدة الوطنية، فكان منطقيا ان يكون نتاج افرازات "الحرب".
أما ميسي فترعرع في زمن كارلوس منعم وكيرشنر وكريستينا فيرنانديز التي تشاهد مبارياته وفي جعبتها رصيد هائل من محبة الناس.
مارادونا اثارنا بكل ما فيه من حماسة وشغف وميسي يثيرنا بدون ان يقوم بما هو أكثر من اللعب الجميل والأهداف الساحرة، وكلاهما قصد أو لم يقصد.. ضرب من الجنون.



