
في الحقيقة، إن مناقشة ما يحدث على ساحة كرة القدم المصرية، هو أمر مرهق للنفس والأعصاب، ومثير للجدل والقيل والقال. فحينما تتحدث مع بعض الأصدقاء حول وقائع كروية، لا بد وأن يتحول الأمر إلى شد وجذب حول الانتماء إلى الأهلي والزمالك، وتغيب الحقائق وتتوارى خلف ألوان قميص الفريق المفضل.
هذه الأمور تحدث بين الأصدقاء والأهل وفي نطاق دوائر اجتماعية مغلقة، فما بالك إذا كان الأمر على مستوى جماهيري أو إعلامي، بالتأكيد سيزيد الجدل وتغيب الحقائق أكثر وأكثر.
في الفترة الأخيرة، وصل الشحن الجماهيري إلى درجة غير مسبوقة ومقلقة بالفعل، وباتت جماهير كل نادٍ تحتفي فقط بالإساءة إلى النادي الآخر وجمهوره، والتشكيك في تاريخه وبطولاته، ولكن ما يرفضه العقل قطعا أن تخرج هذه الاحتفاءات والإساءات من رموز داخل الأهلي أو الزمالك.
سبق شيكابالا قائد فريق الزمالك، سيد عبد الحفيظ مدير الكرة بالأهلي، في الظهور خلال الأسبوع الماضي، عبر حلقة مع الإعلامي عمرو أديب في برنامج "الحكاية"، كانت مخصصة للاحتفال بحصول الزمالك على لقب الدوري العام، وبطبيعة الحال الحديث عن أزمة إيقافه من جانب اتحاد الكرة، على خلفية الواقعة التي حدثت بينه وبين رئيس الاتحاد خلال مراسم تتويج فريقه وتسليمه درع البطولة.
ولكن ما جرى في الحلقة تخطى كل ذلك، ووصل إلى حديث مثير للجدل حول النادي الأهلي وطبيعية المنافسة، وتشكيك غريب في تاريخ الأحمر وبطولاته، كما حملت تصريحات شيكابالا اتهامات مبطنة للتحكيم المصري والمسؤولين عن الكرة بالانحياز إلى الأهلي، حينما أكد أن فريقه "هيداس عليه" لمجرد أنه تجرأ وفاز بلقب الدوري هذا الموسم.
حديث شيكابالا تجاوز أيضا حدود المنطق والخيال واللياقة والروح الرياضية، بتشكيكه في بطولات الأهلي الـ42 بالدوري، ولعب على وتر الشحن الجماهيري مؤكدًا أن الأهلي "يدرك جيدا كيف حصل عليها"، في إشارة إلى إمكانية المجاملة أو تواطؤ التحكيم أو أي سبب غير شرعي آخر.
المثير للدهشة أنه قبل كلمات شيكابالا بدقائق، انتقد هو نفسه سيد عبد الحفيظ، حينما صرح بعد مباراة الإنتاج الحربي، بأن "الأهلي يتبقى له 9 مباريات، بينما الزمالك تنتظره 7 ركلات جزاء"، وأكد أن عبد الحفيظ كان يستحق العقوبة على هذا التصريح، وأنا أتفق معه تمامًا.
إذن، ما هذا التناقض يا شيكابالا؟ تطالب بعقاب عبد الحفيظ للتشكيك في التحكيم، وبعدها بدقائق تشكك أنت أيضا في التحكيم والمنظومة الرياضية كاملة، فقط للتجريح والإساءة إلى المنافس.
شيكابالا تحدث أيضا عن تعرضه لوقائع عنصرية بغيضة من بعض جماهير الأهلي، وهي مثبته بالفعل وبعضها أحيل إلى القضاء المصري، والبعض الآخر مر بلا عقاب، ويجب أن نتضامن جميعا مع شيكابالا في أي إساءة يتعرض لها على هذا النحو، وكنت أتمنى أن يواجه مجلس إدارة الأهلي هذه الفئات من جمهوره بقوة، ويبادر هو بإحالتهم إلى القضاء.
بعد حلقة شيكابالا بأيام قليلة، ظهر سيد عبد الحفيظ، في حلقة مع الإعلامي أحمد موسى، لا أعرف ما الهدف منها في الحقيقة، ولم أجد لها أي مبرر سوى أن الأهلي يريد أيضا الدخول إلى دائرة الجدل والمشاركة في زيادة الشحن الجماهيري.
وبدا واضحا أن سيد عبد الحفيظ ظهر خصيصا من أجل الرد على تصريحات شيكابالا. ومن المعروف أن سيد نفسه شخص غير مقبول لدى جمهور الزمالك، ليس لشيء إلا لأنه بالفعل اختار الدخول في حرب تصريحات استفزازية مع القلعة البيضاء، منذ توليه منصبه.
ويملك عبد الحفيظ تاريخا لا يُغفل في الإساءة للتحكيم، وكذلك لنادي الزمالك، وبكل أسف مرت جميع تصريحاته دون عقاب أو حتى تحذير، وبعيدا عن استنكاري لإعطاء الضوء الأخضر له من جانب إدارة الأهلي لخوض مثل هذه المعارك الخاسرة، فأنا مشفق على أي طرف يعتبر مثل هذه المهاترات تدخل في إطار الحروب النفسية على المنافس، بحجة أن البطولات تُكسب خارج الملعب أيضا كما يحدث داخله.
عبد الحفيظ ذكر معلومات خاطئة تماما في حديثه، وبما أن الهدف الأساسي كان الرد على حديث شيكابالا -الذي لا يستحق الرد من الأساس- وقع ممثل الأهلي في نفس الأخطاء، وبدلا من إصلاح الأمر "زاد الطين بلة"، فالزمالك لم يفز ببطولة أفريقيا في 94 كما ذكر، وإنما فاز بها في 93، وفي 94 خسر النهائي أمام الترجي التونسي.
واستخدم عبد الحفيظ منطقًا لا يمكن أين يقنع به طفلا صغيرًا، حينما قال إن الزمالك فاز بلقبين ببطولة أفريقيا في هذه الفترة نظرا لغياب الأهلي بسبب قرار رئيسه الراحل صالح سليم بمقاطعة البطولات الأفريقية، والصحيح أن الزمالك شارك في نسخة 93 وحقق لقبها، باعتباره بطلا للدوري المصري في 92، وشارك أيضا في نسخة 94 باعتباره بطل الدوري في 93، وليس بسبب قرار الأهلي بعدم المشاركة.
وحتى فوز الزمالك بلقب البطولة في نسخة 96 ليس بسبب قرار الأهلي بعدم المشاركة، وإنما بجهود لاعبيه، فقرار عدم مشاركة الأهلي لا يعني الزمالك، وليس من الطبيعي أن يرفض الزمالك المشاركة لمجرد أن الأهلي انسحب منها.
ولا يبدو أن عبد الحفيظ سيراجع نفسه أو سيكف عما يعتبره خطئا "الضغط من أجل حق الأهلي"، فحينما ذكره المحاور بتصريحه الشهير حول حذف رقم الحكم جهاد جريشة من هاتفه، قال له "أنا أقصد كل حرف أقوله".
في النهاية، هذه المعارك لا يكون فيها أي طرف منتصر، فشيكابالا خاسر وسيد عبد الحفيظ خاسر أيضا، والأهلي والزمالك هما قطبا الكرة المصرية وإن كره المتعصبون، ويمكنك بكل بساطة تشجيع فريقك دون الإساءة والتقليل من المنافس.
قد يعجبك أيضاً


