إعلان
إعلان

شجاعة باولا دابينا

ريان الجدعاني
01 ديسمبر 202017:52
riyan
علينا في البداية أن نعترف بأن الوقوف "لوحدك" أمام جماهير كرة القدم المتعصبة في ساحة شبكات التواصل الاجتماعي فقط ستكون مهمة مرهقة وشاقة نفسياً، والأصعب حقاً إذا قررت "لوحدك" مواجهة جماهير متعصبة (تُقدس) نادٍ أو لاعب على أرض الواقع، لأنها بالتأكيد ستكون مستعدة لنهش لحمك إذا لم تجد الحماية الأمنية في الشارع!

ولكن ماذا لو قررت "لوحدك" الوقوف أمام (مُقدسي) النجم الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا والذي وصل لمرحلة أن تصفه بعض الصحف العالمية بـ"إله كرة القدم"؟!

هذا ما فعلته اللاعبة الإسبانية باولا دابينا (24 عاماً) والتي تتلقى حالياً العديد من رسائل التهديد بالقتل بعد أن رفضت الوقوف دقيقة حداد على وفاة مارادونا، قبل انطلاق إحدى مباريات الدوري الإسباني للدرجة الهواة، لتصبح "لوحدها" حديث وسائل الإعلام العالمية بسبب شجاعتها والتي جعلتها تقف "لوحدها" بوجه جمهور واتحادات ودول (تُقدس) الأسطورة الأرجنتينية.

بحسب حديثها الذي انتشر في وكالات الأنباء العالمية، ذكرت دابينا، لاعبة بفريق فياجيس إنترياس إف إف الإسباني، أن سبب عدم الوقوف لدقيقة الحداد هو رفضها لمجاملة نجم متورط في قضايا أخلاقية كاغتصاب النساء والاعتداء على الأطفال بحسب قولها، ثم أضافت: "إذا لم يتم الالتزام بدقيقة صمت للضحايا، فأنا لست على استعداد للقيام بذلك من أجل المعتدي، كان عليً أن أجلس على الأرض وأدير ظهري".

أنا هنا لا أنبش تاريخ الراحل مارادونا، لأن من واجبنا احترام من رحل عنا في الحياة الدنيا، بل هنا أشير إلى شجاعة الفتاة الإسبانية التي قررت "لوحدها" مواجهة جدار (التقديس) الذي يضع كرة القدم في خانة الأصنام التي تُكتب في أعلاها جملة – ممنوع الاقتراب – ليشكل هذا الجدار أزمة وعي خانقة تمنع الكثير من الصحفيين والنقاد والمحللين من الإبداع في فضاء الإعلام الرياضي بسبب وجود هذا الجدار الخطير.

جدار (التقديس) لا يتعلق بالراحل ماردونا فقط، بل يمتد هذا الجدار إلى العديد من اللاعبين العمالقة المتواجدين والراحلين الذين نجد صعوبة في انتقادهم فنياً أو حتى توجيه نصيحة على وزن "على قدر المحبة"، فالكثير من الصحفيين من مختلف دول العالم دفعوا الثمن غالياً في فقدان لقمة عيشهم أو حتى صحتهم البدنية كالاعتداء بسبب كتابة جملة لم تعجب نجم عالمي فاز بكأس العالم، أو وكيل أعمال للاعب صاعد يتفاوض مع أندية أوروبية عملاقة ولا يريد أي أحد يشوش أفكاره!

الشجاعة باولا دابينا قررت "لوحدها" رمي حجر في بركة ماء لم يتجرأ أي مخلوق على وجه الأرض الاقتراب منه، وكان من الطبيعي أن تتلقى الكم الهائل من التهديدات بكسر رأسها وساقيها، بحسب الرسائل التي عرضتها للإعلام الإسباني، لأن جماهير كرة القدم التي (تُقدس) ماردونا لم تعتد على سماع كلمة (لا) لنجمهم الذي وصل لمرحلة التقديس للأسف، وكلمة (لا) في الأصل مغيبة كلياً عن ساحة كرة القدم، ولهذا تسبب تحريك بركة الماء في حدوث زلزال مدمر بدأ من أقدام دابينا إلى كل أصقاع العالم.

ختاماً،، نتفق أو نختلف حول رأي الإسبانية باولا دابينا ولكن نرفض كلياً تعرضها للتهديد والقتل من أجل حرية التعبير، وهي الحرية التي دائماً ما تصدح بها الدول الغربية وإعلامها، قبل أن تصطدم هذه الحرية أمام (مُقدسي أصنام كرة القدم)، ولهذا سيكون الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا والاتحاد الإسباني لكرة القدم مطالبين جدياً في حمايتها من الأذى، والأهم حقاً العمل بجدية على انتشال كرة القدم من آفة التقديس.
إعلان
إعلان
إعلان
إعلان