
في كرة القدم، السن يبقى مجرد رقم أمام الكم الهائل من العطاء، واللاعب العجوز مصطلح قد يطلق على شاب في مقتبل العمر، نظير ترهله وأدائه المتراخي، وقد يبقى اللاعب شابا حتى حدود الأربعين بجده واجتهاده وما يقدمه على ارض الملعب، بجانب أسلوب حياته المثالي خارجه.
سيرجيو راموس، واحد من أساطير كرة القدم الحديثة، وأحد أهم المدافعين الذين شاهدناهم في الملاعب سواء مع فريقه الحالي ريال مدريد الذي حقق معه كل شيء ممكن محليا وأوروبيا ودوليا، أو مع المنتخب الإسباني الذي رفع معه كأس العالم، وبالتالي فهو من اللاعبين القلائل الذين جمعوا المجد من أطرافه، وما زال يعطي ويقاتل.
راموس مثّل أيقونة في الحسم، وتحول إلى رأس الحربة في انتزاع الفوز بمباريات عصيبة على الفريق الملكي، ونذكر جيدا كيف كان عامل الحسم في دوري الأبطال والليجا بأهدافه الصاعقة في الثواني الأخيرة، كما تحول إلى المدافع الهداف في آخر موسمين، ونافس في أرقامه عتاولة المهاجمين الذين لم يصل بعضهم إلى نصف ما حقق في عالم الكرة المستديرة.
ينتابنا الحزن ونحن نتابع أخبار مفاوضات راموس مع ناديه، والعثرة التي وضعت أمامه بالتجديد لموسم واحد باعتباره تجاوز سن الثلاثين وفق القواعد المتبعة في الميرينجي، وهو ما يهدد بخسارة هذا الفارس الأبيض، في حال لم يتم التوصل لاتفاق، وبالتالي القدرة على اتخاذ قرار الرحيل في شهر يناير/كانون الثاني القادم، بشكل مجاني، واختيار الوجهة القادمة له.
قائد في حجم راموس، يجب أن يكون عقده مفتوحا مع النادي، يتضمن تاريخ بداية ولا نهاية له، ويترك أمر التجديد فقط له دون غيره، تقديرا لدوره الكبير في الفريق، وإنجازاته التي لن يمحوها التاريخ، فالعلاقة مع النجوم الأسطوريين لا يكون بورقة عليها تاريخ بداية ونهاية، وبعض التفاصيل الأخرى، والمال وحده لن يكون عقبة في طريق الحفاظ على القائد، والإبقاء على دوره الكبير في تحفيز زملائه من الكبار والصغار، في الطريق لبلوغ الأهداف الكبيرة.
ما يحدث مع راموس حاليا، سبق وأن تكرر مع كريستيانو رونالدو، الذي بقي على مدى 3 سنوات يتلقى ذات الوعد بتحسين وضعه بما يتناسب مع الإنجازات التي حققها مع الملكي، وتوجها بتحقيق ثلاثية دوري الأبطال التاريخية، ومع مماطلة بيريز، حزم الدون حقائبه ورحل تجاه اليوفي، الذي ما زال يقدم معه كل شيء، ويحطم مزيدا من الأرقام في عمر الـ 35.
قد يعتبر ريال مدريد نفسه رابحا في حال مغادرة راموس، من خلال التخلص من راتبه الذي كان سيدفعه لموسمين إضافيين، لكن باعتقادي ستكون خسارته أكبر في ظل ظرف غير اعتيادي، بتراجع مستوى الخط الدفاعي بالكامل، حيث تتكرر أخطاء الفرنسي فاران، وعدم إثبات ميلتاو نفسه، وشغل فاسكيز مهمة الظهير الأيمن بشكل مؤقت مع كثرة إصابات كارفاخال وبديله ناتشو، وانهيار الجهة اليسرى التي عاد مارسيلو لشغلها، ومعهم عدم ثبات مستوى كاسيميرو الذي يمثل الحائط الأول في الدفاع، وكل ذلك يحتاج إلى استمرار القائد لأكثر من موسم، لإعادة ضبط الأمور والسيطرة عليها.
راموس سيبقى قائدا تاريخيا للريال مهما كانت نتيجة المفاوضات التي يبدو أنها متعسرة، وسيكون أيضا مكسبا لأي ناد يرحل إليه سواء يوفنتوس الذي ينتظره هناك صديقه رونالدو على أحر من الجمر.. أو ميامي الأميركي، أو حتى برشلونة لو تهيأت الظروف لإبرام صفقة من هذا الحجم، وتخلى الطرفين عن توابع الماضي والحاضر..فكرة القدم كما أنها لا تعرف المستحيل على أرض الملعب، فإنها أيضا لعبة الواقع، والصفقات المستحيلة..ولنا في التاريخ عبرة.
قد يعجبك أيضاً







