
هي الجزائر التي عودتنا دوما أن تكون عند حسن الظن، بثورتها التي ما زالت كلمات تسطرها الكتب، وأفلام تعرض لأجيال وأجيال، بالعزيمة والإرادة والانتصار.
وهي الجزائر التي حمل بالأمس رجالها الراية في قلوبهم، ودافعوا عن سمعتها بكل جوارحهم، هي جزائر بغداد بونجاح، الذي تفطرت قلوبنا على دموعه الغالية، ولهجت ألسنتنا بالدعاء لرفاقه بالانتصار، من أجل هذه الدموع التي ذرفتها أعيننا.
ماذا فعلت بنا يا بغداد؟ وما هذا العشق الذي تحمله لهذا البلد العظيم؟
دموع بغداد، قدمت درسا لكل لاعب مهما كان صغيرا أو كبيرا، وأحرجت في الوقت ذاته الكثير من اللاعبين الآخرين، الذين لم يرف لهم جفن، رغم التسبب في مآسي لمنتخباتهم ودولهم، فعادوا للحياة سريعا دون أدنى مسؤولية، بل وبعضهم مارس هواياته سريعا عقب السقوط، وكأن شيئا لم يكن..
دموعك يا بغداد، معلم لنا، نعم، معلم لأجيال فقدت الروح وضيعتها المادة، وبات الوطن لا يغدو نزهة، سرعان ما تنتهي، والانتماء كلمة لا معنى لها في سوق المادة والمال..
فاز منتخب الجزائر على أقوى منتخبات أفريقيا في النسخة الحالية ليس لأنه الافضل فنيا فقط، فساحل العاج أتيحت له عديد الفرص، وكاد أن يسجل أكثر من مرة في الوقت الاصلي والشوطين الإضافيين، وتعادل في كفة ركلات الترجيح، لكن الفارق الوحيد مع الجزائر، كانت تلك الدموع التي انهمرت من عيني بغداد على فرصة كانت كفيلة بتحقيق الفوز في الوقت الأصلي والخروج من عناء ركلات الترجيح، لتدب في أوصال رفاقه العزيمة والإصرار نحو الانتصار، ومنحه قبلة الحياة من جديد.
المباراة كانت معركة أسطورية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، هل شاهدتم كيف حول المدافعون أجسادهم لسدود أمام منجنيقات ساحل العاج؟ هل رأيتم تلك الفدائية في الالتحام مع أجسام لاعبي الخصم القوية والممتلئة بالعضلات؟ كيف لنا أن نفسر عودة المهاجمين بتلك السرعة للوقوف بجانب المدافعين، وانطلاقات المدافعين بذات القوة لإسناد المهاجمين؟
نعم..قام المدرب جمال بلماضي بجهد كبير في الإعداد لهذه المعركة ذهنيا وبدنيا وفنيا وتكتيكيا، ولكن في الوقت ذاته، نجح في إشباع نجومه بحب الوطن، وجمعهم في بوتقة من المحبة والإيثار، ورفع لديهم درجة الإصرار في تحقيق الفوز، ليس لذاتهم..بل لبلدهم ووطنهم الأصغر ومن ورائه الوطن العربي الأكبر..
ما لفت الانتباه بالأمس، تلك الروح لدى اللاعبين على مقاعد الاحتياط، رياض محرز يلبي نداء الاستبدال، فيخرج بكل هدوء، يقوم بتحية زميله، ولا يتوقف تشجيعه عن المقاعد، نجم بحجم سليماني، يستمر بالتشجيع من الخارج، ويدخل بكل حماسة في الدقيقة 78 دون أي إشارة على الاستياء..ولكل هذه الأفعال، دلائل وإشارات..ستقود حتما للنتيجة الكبرى التي يتمناها الجزائر، ونتمناها معه جميعا.
عقدنا العزم أن تحيا الجزائر..كلمات نشيد تردد صداه في كل أرجاء مصر، ومنها إلى العالم أجمع، وندعو الله أن يكمل هذه الفرحة، وأن نشاهد الجزائر في النهائي، ولماذا لايكون مع شقيقه التونسي الذي أكمل الفرحة العربية في ليلة الإصرار والتحدي؟.


