Getty Imagesيعيش آرسنال انطلاقة رائعة هذا الموسم، متربعا على صدارة الدوري الإنجليزي الممتاز بفارق أربع نقاط عن أقرب ملاحقيه، بعد مرور تسع جولات، في سعيه لإنهاء سنوات الوصافة الثلاث المتتالية والعودة إلى منصة التتويج باللقب الغائب منذ 2004.
لكن رغم هذا التفوق داخل الملعب، لا تزال هناك ملاحظات تتعلق بالأجواء داخل ملعب "الإمارات"، حيث يرى البعض أن الحماس الجماهيري لا يوازي المستوى الفني للفريق.
لطالما اشتكى مشجعو الفرق المنافسة من ضعف الصوت في مدرجات "الإمارات"، ووصل الأمر إلى حد إطلاق هتافات تصف الملعب بأنه "مكتبة"، في إشارة إلى الهدوء السائد أحيانًا خلال المباريات.
وهذه ليست مشكلة حصرية بآرسنال، إذ تواجهها أيضا أندية أخرى من "الكبار الستة"، حيث ينشر مشجعوها على وسائل التواصل الاجتماعي تعليقات تنتقد غياب الحماس في المباريات البيتية.
ويرى البعض أن ارتفاع سقف التوقعات لدى جماهير آرسنال قد يكون أحد أسباب تراجع الأجواء الحماسية، خاصة أن الفريق لم يتوج بالدوري منذ 2004، وآخر ألقابه كانت كأس الاتحاد الإنجليزي عام 2020.
أرتيتا ودور الجماهير
منذ توليه تدريب الفريق، حرص الإسباني ميكيل أرتيتا على التأكيد مرارًا على أهمية الجماهير ودورها في صناعة الفارق.
وقال في أكثر من مناسبة إنه يريد "خلق أفضل أجواء في العالم داخل ملعب الإمارات"، وغالبًا ما يوجه رسائل مباشرة للجماهير في المؤتمرات الصحفية قبل المباريات.
وطلب أرتيتا من المشجعين الحضور المبكر والوقوف خلف الفريق منذ الدقيقة الأولى، بل وحتى الانتباه إلى "لغة الجسد" وطريقة التفاعل داخل المدرجات.
وقبل لقاء كريستال بالاس الأخير، قال المدرب الإسباني: "نريد من الجماهير أن تلعب معنا المباراة، وأن تكون في مقاعدها بطريقة تعبّر عن الطاقة والحماس".
إزالة غطاء النفق لزيادة التواصل
وضمن محاولات النادي لرفع مستوى التفاعل، أقدم آرسنال هذا الموسم على إزالة الغطاء الذي كان يغطي نفق اللاعبين المؤدي إلى أرضية الملعب.
والهدف من ذلك أن يسمع اللاعبون — سواء من آرسنال أو الخصم — أصوات الجماهير قبل انطلاق المباراة، ولتعزيز التواصل المباشر بين اللاعبين والمشجعين في تلك المنطقة.
الخطوة لاقت تفاعلا لافتا، حيث انتشرت صور عديدة للاعبين وهم يحيّون الجماهير أو يبادلونهم التصفيق قبل الدخول إلى الملعب.
وقال أرتيتا تعليقا على ذلك: "نحتاج إلى إشعال الأجواء حتى يلعب المشجعون معنا كل كرة، لأن ذلك يصنع فرقًا هائلًا. نريد أن نلعب ونفوز بالألقاب، وهذا أمر غير قابل للتفاوض. ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون لدينا ملعب قادر على خلق هذه اللحظات".
تغييرات في طريقة إعلان الأهداف
ومن الأفكار الجديدة التي ساهم أرتيتا في تطبيقها أيضًا تعديل طريقة إعلان الأهداف داخل الملعب، حيث يذكر المذيع الداخلي اسم اللاعب الذي سجل الهدف، ثم يترك مساحة للجماهير لتردّد اسمه الثاني بصوت جماعي، ويتم تكرار ذلك ثلاث مرات.
المذيع المعروف رومان كيمب كشف في أحد برامج البودكاست، أنه التقى أرتيتا على متن طائرة، حيث سأله الأخير عن رأيه في هذه الطريقة. وأوضح كيمب أن المدرب الإسباني هو صاحب فكرة تطبيقها، في إطار سعيه لإضافة تفاصيل صغيرة ترفع من الروح التنافسية وتخلق ترابطا بين الفريق والجماهير.
عروض الإضاءة قبل المباريات الكبرى
قد يختلف البعض حول عروض الإضاءة المصاحبة للمباريات الكبيرة، لكن إدارة آرسنال اعتمدتها مؤخرًا في مباريات مختارة لتعزيز الحماس قبل صافرة البداية.
قبل مواجهة أتلتيكو مدريد في دوري أبطال أوروبا، مثلا، جاب أفراد التنظيم المدرجات حاملين لوحات تحمل رموز QR يمكن للجماهير مسحها بهواتفهم للمشاركة في العرض الضوئي، في خطوة رمزية تهدف لتعزيز التفاعل الجماعي.
وفي خطوة أخرى لزيادة التركيز داخل المدرجات، قرر النادي إيقاف عرض الشوط الثاني من المباريات على الشاشات المنتشرة في الممرات الداخلية للملعب، حتى يعود المشجعون إلى مقاعدهم بدل البقاء في مناطق الاستراحة.
وانتشر منشور على منصة "إكس" لأحد المشجعين خلال استراحة لقاء أتلتيكو مدريد يُظهر رسالة من النادي توضح أن البث لن يستمر بعد بداية الشوط الثاني، في إطار جهود النادي لتشجيع المشجعين على متابعة اللقاء من المدرجات.
كل هذه الخطوات تأتي ضمن خطة شاملة تشارك فيها إدارات مختلفة داخل النادي لتحسين تجربة يوم المباراة وجعلها أكثر تفاعلاً.
ولا يعتبر النادي هذه الإجراءات نهائية، إذ يعمل على تنفيذ مزيد من المبادرات بالشراكة مع روابط المشجعين، لضمان أن يكون "الإمارات" ملعبًا ينبض بالحياة ويمثل سلاحًا معنويًا للفريق في سعيه نحو الألقاب.
ويبدو واضحا أن آرسنال، تحت قيادة أرتيتا، لا يكتفي بالتحسن الفني داخل الملعب، بل يسعى لبناء ثقافة جديدة خارج الملعب أيضا، فالفريق الذي يطمح لاستعادة أمجاده المحلية والأوروبية يدرك أن الحماس الجماهيري عنصر أساسي في صناعة الانتصارات، وأن كل تفصيلة — من طريقة دخول اللاعبين وحتى أسلوب إعلان الأهداف — يمكن أن تسهم في تحويل "الإمارات" من "مكتبة" هادئة إلى قلعة صاخبة تُرهب الخصوم وتُلهم اللاعبين.



