إعلان
إعلان

أمي تكره كاسياس

رأفت سارة
07 سبتمبر 201500:59
rafatsara1

قبل 35 عاما دخلت عالم كرة القدم وقد أشركت أمي فيه عنوة، فالمسكينة حين  انتبهت اننا بتنا "نتحولق" حول شاشة التلفاز، أنا وبعض اخوتي وأصدقائي لنتابع مباريات الوحدات والفيصلي وغيرهما مما يجود التلفزيون الاردني علينا ببثه أحيانا.

كنا نحرمها بالتالي من متابعة الاخبار والمسلسلات وغيرها، بتنا قوة كبرى وتحول شغفنا لمرض اتعبها، وقد حاولت التصالح معه بشراء بعض المشروبات وتحضير بعض المأكولات لنا لنتسلى، ولنترك لها التلفزيون بعد انتهاء المباراة مباشرة.

أمي أحبت ان يكون لها دور أكبر فيما نشاهد، وقد انتبهت، وهي تتابع على مضض إحدى المباريات أن اللاعبين جميعا يركضون في كل الإتجاهات باستثناء حارس المرمى الذي كان يمسك بالكرة حين تصله، وهذا ازعجها كثيرا، فباتت تكيل السباب والشتائم له  "الله يكسر ايدك، مش حرام عليك..الخ ".

انتبهت لها وخوفا من الاحراج طلبت منها ان "تلتهي" في الخياطة وتترك الكرة لي ولصديقي، سكتت على مضض واكملت ما بيدها حتى سمعت المعلق يمدح حارس المرمى لانه ابعد الكرة عن الشبكة، عندها صرخت: "لازم تضربوه وما تحيووه".

عندها قررت ان اتدخل واعرف مبرراتها وسبب غضبها من حراس المرمى فقالت لي: "حرام كل اللاعبين يتعبوا ويركضوا عشان يوصلوا الكرة للشبكة، ويجي أخينا ويمسكها، مش حرام عليه، طب على الاقل يقدر تبعهم وعرقهم".

ضحك صديقي مامون بيضون الذي كان يتابع المباراة معي وخوفا من احراجي قال لي ان لأمه قصة لا تقل طرافة عن امي في عالم المستديرة، فقد كانت تجامل ابنائها وتتابع ذات يوم مباراة معهم، ليس بكل تفاصيلها انما تروح وتجيىء وتطبخ وتنفخ والمباراة "شغالة" لم تنتهي، وفي المساء وعندما كانت تتابع نشرة الاخبار وكنا نتلهف لمعرفة نتائج المباريات من التلفزيون – وكان ذلك في عصر ما قبل الفضائيات – عرض المذيع نتائج كثيرا من المباريات وفي دقيقة او أكثر قليلا استعراض الاهداف جميعا، فقالت امه بعفوية: "ها، هذا هو اللعب شوفوا بسرعة بيسجلوا الاهداف مش مثل الدوري الاردني تبعكم، طبخت ونظفت البيت وهم بعدهم ما سجلوا هدف".

حاولت ان اجاري امي واشرح لها ان وظيفة الحراس واجمل ما فيهم هو الامساك بالكرات والتصدي لها، لكنها للان لم تقتنع، جربت ذات يوم أن استعطف قلبها وارققه تجاه الحراس وكان كاسياس بالكاد يبدا مشواره مع ريال مدريد، وكان لصغر سنه يذهب للنادي بالباص لانه لايحق له امتلاك رخصة قيادة، اخبرتها ان "المسكين" الذي تشتمه يعاني ويذهب للنادي بالباص بدلا من سيارته الخاصة ومع ذلك هي تسبه لانه يمسك بالكرات، عندها ثارت ثائرتها، وقالت اشياء كثيرة ملخصها انه يتعب ويعاني ويركب الباص ولهذا كان يفترض ان يحس بمعاناة اللاعبين وتعبهم فيتركهم يسجلون في مرماه.

أم كاسياس ليست أفضل حالا من امي، ففي فورة غضبها من تخلي ريال مدريد عن ابنها قالت بان نادي بورتو هو نادي درجة ثالثة بالنسبة لريال مدريد،  ثم عادت وصححت الوضع ومدحت بورتو، لكن امي لم تغير من نظرتها تجاه حراس المرمى، وبالتالي كان علي أنا أن اغير وجهة نظري تجاه الامهات والجدات اللواتي يضعن في اعتبارهن معلومة واحدة ويصدقنها ويعشن العمر يناضلن من اجل عدم تغيرها.

وعليه فستبقى امي تسب وتلعن حراس المرمى.. وما توجب علي فعله بكل بساطة هو ان أشتري لها شاشة خاصة بها تتابع فيها المسلسلات التركية وتترك حراس المرمى يستمتعون بما يتقنون.

إعلان
إعلان
إعلان
إعلان