إعلان
إعلان

"الشان" والشأن

عبد الناصر بن عيسى
08 يناير 202301:22
aklam

هناك جزائريون، حتى من عالم الرياضة ولعبتها الشعبية، لم يسمعوا أبدا عن بطولة إفريقية في كرة القدم تخص اللاعبين المحليين، وهي بطولة فعلا ثانوية قد لا تستمر مستقبلا، بدليل أنه لا بلد ترشح لاستقبال دورتها ما بعد الدورة القادمة في الجزائر، ومن المحتمل أن تتوقف نهائيا هذه الفكرة الإفريقية المحلية..

ومع ذلك يتحدّ الجزائريون بشكل اجتماعي راق، وبكثير من البراءة، من أجل إنجاح هذه التظاهرة، وكانوا قد قدموا نموذجا رائعا في التآخي وتثمين النجاح، في ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي لعبت في وهران. ويقدم اهتمام الجزائريين الإيجابي بالمركب الرياضي الجديد، “نيلسن مانديلا” دليلا قاطعا على أن الإنجازات الهامة، تبعث الافتخار لدى عامة الناس، حتى نكاد نجزم بأن صور ملاعب الجزائر الجديدة والمتجددة، على مواقع التواصل الاجتماعي، غلبت كل صور الجمال والطبيعة والمشاهير، القادمة من كل أنحاء العالم، ويبدون أكثر تصميما على أن يصونوا هذه المنشأة وغيرها، ويحافظوا عليها، وأن يكونوا جزءا من نجاح هذه البطولة الإفريقية، التي لم يسمعوا عنها إلا منذ فترة قصيرة.

وطريقة التحضير العائلي لتدشين الملعب مساء السبت في مباراة ودية، فاق اهتمام المسؤولين، وإذا كان الملعب يتسع لأربعين ألف متفرج، فإننا سنكون أمام أربعين ألف حارس، لمقاعد وأروقة هذا الملعب الذي أحبّه الجزائريون، لأنهم اقتنعوا بأن لا بلد لهم غير الجزائر، ولن يُشيد غيرهم بأشيائهم، حتى ولو حوّلوا بلادهم إلى فردوس الخلود.

هناك حقيقة ظل الجزائريون يخفونها عن أنفسهم ويرفضون الجهر بها، وهي أن غالبية طِباع العنف، تم تفريخها في ملاعب الكرة، فقد عشنا في العقود الثلاث الأخيرة، شجارات عنيفة في المدرجات وتخريب للمقاعد ووصلت إلى جرائم القتل، وانفردت ملاعب الجزائر، بكونها الوحيدة في العالم التي لا تستقبل العائلات، ووصل الأمر إلى وصف مباريات بالخطيرة جدا، والممنوع دخول الملعب التي تُجرى فيها من الأطفال، وتغيّرت لغة الكلام في الملاعب إلى ما دون السوقية، من مراهقين يقضون زمن المباراة القصير في تعاطي المخدرات وسبّ أمهات اللاعبين والحكام، فانهار مستوى المشجع الأخلاقي وانهار معه مستوى اللاعب الفني، تماما كمستوى الملعب الهندسي، في الوقت الذي يتابع هؤلاء “المنهارين” ما لذّ للعين وطاب من ملاعب فخمة وجمهور ولاعبين محترفين، في مختلف دوريات العالم. قبل أن تأتي مثل هذه المواعيد التي وحّدت الناس تلقائيا، وستفتح للجزائر آفاقا جديدة، فلا أحد همّته المنافسة في حد ذاتها، بقدر ما همّهم نقل صورة الجزائر إلى العالم، في أروع حلّة، وسيكون من المُجدي نقل هذا الرقي في كل المجالات، بالالتفاف حول الناجحين وأماكن النجاح، من مسارح وحدائق وجامعات ومساجد وأسواق ومصانع وحقول، حتى يكون لنا في كل يوم شأن، كما كان لنا مع “الشان” شأن.

**نقلا عن صحيفة الشروق الجزائرية.
إعلان
إعلان
إعلان
إعلان