
رونالدو أم ميسي؟ سؤال بات أزليا بين عشاق الدون البرتغالي والبرغوث الأرجنتيني، والإجابة دوما تكون سريعة بلا تفكير، فالكل يجيب على هواه، وبعد ذلك يبدأ بالتحدث في الأرقام والبراهين التي تؤيد رأيه.
قبل أيام كنت شاهدا على جانب كبير من فعاليات مؤتمر دبي للذكاء الاصطناعي، الذي تحولت فيه الرياضة إلى ميدان خصب للتجارب والتحليلات الرقمية المعقدة، استخدمت الفيزياء في معادلاتها وخوارزمياتها وأدخلت أرقامها إلى برامج حاسوبية معقدة لتقييم أداء اللاعبين، ومن ثم البحث عن طرق لتطوير هذا الأداء والوصول به إلى الحد الأعلى.
البروفيسور جيسي ديفيس من جامعة ليوفان البلجيكية، قد لا يكون رياضيا أو حتى مشجعا لفريق معين، ولكنه يؤمن بالعلم كوسيلة للتقييم، ومن هنا انطلق في حديثه حول الكيفية التي عملت فيها خوارزميات الذكاء الاصطناعي في الخروج بالمقارنات الدقيقة بين النجمين كريستيانو رونالدو وليونيل ميسي.
وكعادة الكثير من العلماء، لا بد من بدء الحديث بطرفة أو سؤال لكسر الجليد مع الحضور، فبدأ ديفيس بسؤال مباشر: من يعتقد أن كريستيانو رونالدو أفضل من ميسي فليرفع يده، وانطلاقا مما قلناه في الأسطر الأولى، رفع عشاق رونالدو أيديهم وكانو كثرة، ومن ثم طرح سؤاله الثاني حول ميسي، فرفعت الأيادي ولكن بشكل أقل، وهذا بالطبع ليس مسحا علميا يمكن البناء عليه، فقد يكون معظم الحضور يشجعون فريقا أو لاعبا، وفي مكان آخر قد تختلف الإجابات.
ديفيس لم يعلق على إجابات الحضور، ولكنه أدرك أن معظمهم مع رونالدو فقال كلمة واحدة: سأفاجئكم..وبدأ بعرض رسوماته وأدلته التي أثبت من خلالها أن ميسي أفضل من رونالدو، بل وبضعف الرقم، فميسي حصل على 1.21 على مقياس الدراسة، ورونالدو على 0.6.
ما توصل له البروفيسور البلجيكي من نتيجة، جاء حصيلة لتحليل إحصائي لعدد كبير من البيانات التي جمعت عن اللاعبين في العديد من المباريات، تم خلالها دراسة سلوك رونالدو وميسي تحت الضغط من خلال التفكير والتحركات الدفاعية والهجومية وتحليل الأداء بجمل تكتيكية مختارة هجوميا ودفاعيا، حيث اشتملت هذه التحليلات على قياس أكثر من 1600 حركة للاعب الواحد.
الباحث البلجيكي اعتبر النجمين الكبيرين حالة تجريبية، ضرب من خلالها مثالا على أهمية دخول التحليلات التكنولوجية التي تعتمد على الكمبيوتر ووسائل الذكاء الاصطناعي للخروج بنتائج تفيد الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص.
وكما دخلت تقنية الحكم المساعد VAR في كرة القدم، قد تدخل تقنيات التحليل التكنولوجي مستقبلا في تحديد من اللاعب الأفضل، وإلى من تذهب الكرة الذهبية، بعيدا عن الآراء التي تأخذ كثيرا الجانب العاطفي، وطالما يرضى الجميع بحكم الـ VAR في تحديد صحة الهدف، فقد يكون الرضا أكبر بكثير عن طريقة تقييم النجوم في المسابقات الفردية التي ينبثق عنها نقاشات طويلة بعد الإعلان عن اسم النجم الذي اتخذ قرار تتويجه باللقب.
التكنولوجيا نجحت في الفصل بين النجمين أخيرا، ولكنها لا يمكن أن تغير شيئا من واقع رونالدو ولا ميسي، فكلاهما أمتعانا بتنافسهما الشرس للحصول على الألقاب الفردية والجماعية، وشهدت حقبتهما أكبر حالة من الخلاف في تاريخ الكرة لتحديد من الأفضل بين لاعبين ما زالا على أرض الملعب، وبعكس المقارنة السابقة التي ما زال يتردد صداها بين الأسطورتين البرازيلية بيليه والأرجنتينة مارادونا، وباعتقادي سيخلد النجمان في تاريخ الكرة، ولن يمحيا من ذاكرة الجيل الذي عاصرهما وكان شاهدا محظوظا على ما قاما به في الملاعب الخضراء.
قد يعجبك أيضاً





