
بداية لا بد من التذكير أن مستوى برشلونة وتواضعه الكبير لم يأت وليد الصدفة، وإنما بدأت مقدماته منذ سنوات، ووقت وجود قائده السابق ليونيل ميسي، حيث شهدت النتائج إخفاقات تاريخية توجت بالخسارة الأكبر على يد بايرن ميونخ بثمانية، وسبقتها حالتا ريمونتادا عكسية مع روما وليفربول، وكلها في دوري الأبطال، وبالتالي فإن ثلاثية بنفيكا لا تعتبر غريبة على فريق فقد بوصلته مع مدرب لا يعرف جيدا كيف يدير اللعبة.
الفوز على ليفانتي في الليجا وعودة فاتي المظفرة وتسجيله هدفا جميلا، رفع سقف الطموح لدى عشاق البارسا، وجعلهم يعتقدون أن المخلص قد وصل وأن مشاكل المستوى الفني والنتائج قد بدأت بالحل، ولكن التفاؤل كان مجروحا لأن من يقود العارضة الفنية للفريق في ذلك الوقت كان مساعد كومان الذي أحسن في وضع التشكيل المناسب والتعامل مع أحداث المباراة وتوقيت التغييرات ونجاعتها، لكن كل ذلك اعتبر خادعا، لأن المدير الفني عائد في المباريات الأوروبية وهو ما حدث بالفعل، فعاد الترهل ليسيطر على الفريق، بعد أن دفع كومان بتشكيله الكلاسيكي معتمدا أبقاره المقدسة التي لم تعد قادرة على المشي.
تغيير بيكيه المبكر كان دليلا على التخبط بالتشكيل، فاللاعب لم يعد قادرا في الناحيتين البدنية والذهنية، واللعب بسيرجيو على الميمنة لم يعد مجديا، وأول هدفين تسللا من منطقته، والإبقاء على بوسكيتس يقتل الوسط ببطئه وأدائه التقليدي، والدفع بديست في الميسرة كتب شهادة وفاته كلاعب، فاللاعب ظهر وكأنه مبتدئ في كرة القدم، وهنا بدأت الأسئلة حول السبب الذي دفع كومان للموافقة على بيع لاعب مثل إيميرسون وصل من أجل تحسين المنطقة اليسرى بهذه السرعة، وترك هذا المركز المهم خاليا خاصا مع تقدم جوردي ألبا بالسن وكثرة إصاباته.
قد يقول قائل إن هذه الأدوات المتوفرة لدى كومان، لكن الجواب بأن كومان نفسه سمح بتفريغ دكة الفريق بعد أن تسبب برحيل سواريز وفيدال دون مقابل، ومن ثم انبطح لرغبات الإدارة بحجة التوفير بالتخلص من جريزمان ومن قبله ترينكاو ومن ثم الموهبة موريبا وإيمرسون، وفي الوقت ذاته واصل محاربة الموهبة ريكي بويج التي تعتبر أفضل بديل متوفر لبوسكيتس.
لقد أثبت كومان بما لا يدعو للشك بأنه مدرب غير قادر على وضع التشكيل المناسب ولا على التغيير بشكل يفيد الفريق، ومعظم تغييراته ترقيعية، ولاحظنا كيف أن تغييرا ثلاثيا أمام بنفيكا تسبب بانهيار منظومة الفريق تماما، وفي توقيت متأخر، كما يبدو أنه ليس على وفاق تام مع اللاعبين وغير قادر على الواصل معهم والتأثير بمعنوياتهم وتحفيزهم على العطاء، حيث يتحركون في الملعب كالروبوتات دون أي مشاعر قادرة على التغيير للأفضل.
ما حدث أمام بنفيكا، يثبت أن ميسي غادر بملء إرادته، وأن نظرية مؤامرة رابطة الليجا لا أساس لها من الصحة، فاللاعب تأكد بأن لا مستقبل لناد يقوده مدرب مثل كومان، ولا إدارة عاجزة عن تأمين الصفقات القادرة على تطوير المستوى، فآثر الرحيل، وكل اعتقادي بأنه كان يبتسم وهو يتابع السقوط المذل لفريقه أمام بنفيكا، وهو ما زال يحتفل بهدفه المبهر وأدائه القتالي أمام باريس سان جيرمان.
أعاد كومان فريق برشلونة سنوات طويلة للخلف، وكسر كل أرقامه الإيجابية بأرقام سلبية أمام الفرق الصغيرة في الليجا، وخاصة على الكامب نو، وها هو يدخل التاريخ كأول مدرب يفشل في تحقيق الفوز في أول جولتين من دوري الأبطال وكذلك في تسجيل أي هدف في مباراتين، بشكل جعل الأصابع كلها تتجه نحوه، بعد أداء كارثي، وقد يكون غدا شاهدا على مأساة جديدة بطلها الجديد أتلتيكو مدريد، الذي يمطمح في أن ينهش ما تبقى من جثة فريق كان يوما ما سيدا لإسبانيا وأوروبا وكرة القدم بأسرها.
قد يعجبك أيضاً



