في افيزانو ..تعرفت على الكابتن محمد عبده صالح الوحش اواخر
في افيزانو ..تعرفت على الكابتن محمد عبده صالح الوحش اواخر العام 96 عندما انضم كمحلل للستوديوهات التحليلية لقنوات art..وفي افيزانو ايضا وصلني خبر وفاة الكابتن - رحمه الله - بعد يوم واحد من وصولي اليها في الحادي والعشرين من مايو الماضي
وطوال تلك الفترة التي تعرفت فيها على الكابتن ابو خالد والتي امتدت لنحو اثنتي عشرة سنة منها سبع سنوات كزميلين في الستوديوهات التحليلية في تلك المدينة الايطالية الصغيرة حيث كانت ستوديوهات art تقع ..وكان هو كمحلل اكاديمي فني صاحب اسلوب يخلب الالباب وانا كمقدم ومدير للستوديوهات التحليلية ...كنت اشعر بنفسي محظوظا بدرجة فوق العادة لانني كنت احس انني لست امام شخص عادي ابدا ...بل امام مدرسة حياتية لا تضاهى وانسان صاحب قلب كبير قبل ان يكون محلل مبدع دخل قلوب المشاهدين بدون استئذان ..وادركت انني قابلت كنزا انسانيا حقيقيا حاولت ان اكسب منه ما اقدر دروسا حياتية لا يمتلكها فعلا الا الكبار الكبار ...
لقد علمني الكابتن منذ ان عرفته ان التواضع هو سمة الكبار وان الصغار هم الذين يتحدثون كثيرا ويفردون عضلاتهم على الفاضي والمليان
وتعلمت من الكابتن ايضا ان الانسان يزهد بالكرسي ولا يسعى اليه ..ولو كان الانسان جديرا بالمناصب فهي التي تبحث عنه وتأتي اليه دون ان يسعى اليها ..والمعروف عنه رحمه الله انه رفض رئاسة الاتحاد المصري لكرة القدم اكثر من مرة وكان يقبل تحت الضغط الاشراف المؤقت على الكرة المصرية من باب احساسه بوطنيته وانتمائه لبلده ..وحتى عندما لم تجدد له الجمعية العمومية ليبقى رئيسا للنادي الاهلي لم يعر الامر اي اهتمام ..فقد كان يرى ان قيمة الانسان بانسانيته ..اما الكرسي الذي يجلس عليه فليست له ديمومة ابدا ..بينما تبقى انسانية الانسان حتى بعد ان يغادر هذه الدنيا
وتعلمت من الكابتن عبده صالح ان الانسان مهما بلغت شهرته وثروته فانه بالنهاية لن يترك الا عمله الطيب ليتحدث عنه الى الاجيال القادمة
وتعلمت ايضا ان الانسان يجب ان يزيد من زاده المعرفي بكل شيء ولا يقتصر على مجال تخصصه فقط ..فكان دائما يصطحب معه الى افيزانو كتبا لتفسير القرآن الكريم وقصص الانبياء والصحابة
وعلمني الكابتن وقد كان احسن من يعطي دروسا في الحياة ان الطيب لا يولد الا طيبا ..وكنت اشعر انه رحمه الله كان عزيزا وقريبا من الجميع ..ولكنه كان عندي بمثابة الوالد الذي قدمه الله لي ليعوضني عن فقدان والدي الحقيقي عام 92
وحتى عندما قلت له مازحا في احدى المرات تقديرا مني لحكمته ورجاحة عقله (( حضرتك يا كابتن الشخص الوحيد اللي ممكن يخليني من زملكاوي لاهلاوي )) فضحك وقال (( العلاقات الانسانية يا خالد والعشرة بين الناس اهم بكتير من المواضيع دي ))
ولن انسى نصيحته بعدم بوح المعلق او من يعمل بالاعلام الرياضي عموما بميوله النادوية للعامة ...لانهم لن يتركوه ابدا ولن تتوقف انتقاداتهم له مهما حاول الاعلامي ان يظهر حياديته ..لأن الجمهور بطبعه عاطفي مع فرقه ومتى ما يعلم ان المقدم او المعلق يميل للفريق الآخر حتى لو لم يظهر ذلك فلن يتركوه على راحته ابدا ..تذكرت كلام هذا الرجل الحكيم وفصاحته وانا اقرأ في بعض الاحيان الاتهامات الموجهة للمعلقين بتحيزهم الذي لا يتواجد الا بنظر هذه الفئة من الجمهور
واعتقد انني لو جلست اسرد ما تعلمته من هذه المدرسة الحياتية الرائعة فسأحتاج الى مجلدات كثيرة ولكنني سأكتفي بالقول انه قدم لي افضل تكريم واغلى وسام نلته في حياتي الاعلامية والتي تجاوزت ربع قرن بقليل عندما سماني الموسوعة المتحركة ..والحمد لله ان هذا الاسم يلاصقني ويرافقني اينما ذهبت وكل ذلك بفضل الكابتن الوحش
وعندما ترك الكابتن العمل في art بعيدا عن اي صخب او ضجيج صيف العام 2003 في مفاجأة كانت قاسية ومدوية على محبيه ومعجبيه وانا افتخر انني على رأسهم ..بقيت على تواصل معه دونما انقطاع وكنت احرص على الاتصال به من مرة الى مرتين شهريا ولو كان الامر بيدي لتحدثت معه يوميا لولا خوفي من ازعاجه رغم انه كان يقول لي (( انت يا خالد تكلمني وقت ما انت عايز ))
ولا انسى واحدة من مكالماتي الاخيرة العام الماضي عندما استشرته بالرحيل عن artلانني لم اعد مرتاحا هناك ولانني تلقيت عرضا مغريا من الشوتايم ..فرد علي بصوته الجميل والذي لمحت به ضعفا عن السابق (( المكان اللي فيه راحتك ومصلحتك .. روحلو بدون تردد )) ورحمه الله فقد اثبتت الايام ان نصيحته التي كانت بالنسبة لي امرا كانت الصواب بعينه
لكني كنت ادرك في السنة الاخيرة ان صحته لم تعد كما عهدناها من قبل وازداد قلقي عليه عندما كنت اكلم السيدة حرمه اطال الله في عمرها لأسألها عن صحته فكانت ترد دائما (( لسه تعبان يا خالد )) ..وادركت مدى صعوبة حالته بعد ان كلمت الكابتن طاهر ابو زيد قبل حوالي شهر من وفاته ..وكان الكابتن طاهر من المقربين جدا على الكابتن عبده صالح الذي كان يعتبره واحدا من ابنائه ..وقال لي الكابتن طاهر بعد ان زاره في منزله (( الكابتن تعبان قوي ومحتاج لدعواتنا كلنا ))
ومن المفارقات الغريبة ان الكابتن عبده صالح كان يشيد بالدوري الانجليزي في ستوديوهاته التحليلية ..ولن انسى ابدا عندما قال لي في احدى الستوديوهات (( حييجي يوم يا خالد يكون نهائي اوروبا انجليزيا بالكامل )) وسبحان الله فقد لعب مانشستر وتشلسي النهائي الاوروبي في موسكو في اليوم الذي غادرنا فيه الكابتن الى الدارالآخرة
رحم الله استاذنا والدنا واخانا الكبير الكابتن محمد عبده صالح الوحش ...فقد كان بحق رجلا ولا كل الرجال ...وجعل مثواه الجنة باذن الله ..وانا لله وانا اليه راجعون .