إعلان
إعلان

مذكرات جورج بست الهارب من جحيم بلفاست: لا تذكروني بزلاتي

KOOORA
09 يوليو 202310:41
جورج بست

أسطورة لا تعرف أخذ النصائح من أحد، ربما كانت تلك هي مشكلته الأساسية، حتى وإن كانت ستنقذه من الغرق في مستنقع لا يعرف له آخر.

يبدو أن حياة الترف التي عاشها النجم الأيرلندي جورج بست لها وجه آخر قبيح، لا يراه من سُلطت عليه الأضواء، وكأنه أصيب بالعمى، يشعر فقط باللذّة، فيغرق أكثر كلما حاول تكرار تلك اللحظة. ولكن، ذلك بالتأكيد له سبب.

3 فصول سجلتها مذكرات أسطورة مانشستر يونايتد تروي الكثير من التفاصيل حول رحلة الصعود إلى قمة المجد قبل السقوط إلى قاع الغواية، صاغ بها دون أن يدري النموذج الذي يمكن لأي لاعب أن يأخذ منه ما يريد أن تكون عليه حياته.

التواجد في المكان الصحيح

الإيمان بالموهبة

وسط نزاع ديني داخلي في أيرلندا الشمالية، وحرب عسكرية مع إنجلترا، عاشت بلفاست سنوات عصيبة، ليس سهلاً البحث خلالها عن فرصة لإقناع أحد بموهبة ما، خصوصًا أن الخوف كان يملأ الجميع.

لم ينجذب جورج بست سوى بموهبته المتفجرة، التي آمن بها منذ اللحظة الأولى، رغم رفض نادي جلينتوران الأيرلندي الشمالي ضمّه كونه كان صغيرًا ونحيفًا.

سعي الطفل الحالم بالشهرة والمجد لم يتوقف، ففي مباراة غير رسمية خاضها دون أن يعرف أنه تحت أنظار بوب بيشوب، كشاف مانشستر يونايتد الشهير، الباحث عن المواهب أظهرت مهارته.

دفع ذلك بيشوب لكتابة رسالته الشهيرة لماثيو بازبي الشهير بـ"السير مات"، المدير الفني لمانشستر يونايتد وقتها: "أعتقد أنّي عثرت لك على عبقري".

ابن بلفاست

كان الحوار الذي دار مع والدته كاشفًا لما كانت يعانيه ذلك المجتمع..

سأل الطفل جورج (14 عامًا)، والدته: "هل مدينة مانشستر بعيد؟"

"نعم يا حبيبي"، أجابت الأم قبل أن تسأل عن السبب.

بست في تردد وبصوت خافت أفصح عن رغبته الدفينة: "يريدونني هناك، سوف ألعب في أكاديمية مانشستر يونايتد".

احتدت عليه والدته، وقالت: "أرفض الانتقال إلى مجتمع نصفه يكرهك والباقي لا يفهمك".

قاطعها محاولاً فتح مساحة نقاش: "ولكن.."

"لا تقاطعني"، أسكتته قبل أن تتابع: "أمام ذلك تسقط كل المزايا التي يقدمه ذلك العرض".

نظر إلى النجوم وحدثّ نفسه: "سوف أذهب وأعانقك، سأعيد مجد وكبرياء الوطني".

تلقى السير مات الرسالة باهتمام، وبعد عدة أيام قليلة حصل جورج بست على تجربة أداء في أكاديمية مانشستر اليونايتد، تم التوقيع معه فورًا، ليبدأ المشوار الطويل، ومن هنا بدأت المشاكل.

نار الشهرة تحرق صاحبها

صناعة الفارق

بدأ بست مع اليونايتد في عمر الـ17، ولم يحتاج سوى لسنتين فقط لملامسة أول بطولة، الدوري الإنجليزي الذي حققه مرتين (1964-1965) (1966-1967).

جاء ذلك قبل أن يكتب للشياطين تاريخًا جديدًا، بأن يصبح أول ناد إنجليزي يفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا عام 1968، ما دفع بيليه للإشادة به: "صاحب الموهبة الأكبر"، وقال دييجو مارادونا: "قضيت سنوات كثيرة أحلم بامتلاك قدرة جورج بست على المراوغة والتحكم بالكرة".

ولكن خارج الملعب، سقط بست في مستنقع إدمان الخمر والنساء، وكأنه يحاول رفض القالب الذي كان يتم وضعه داخله.. ففي لحظة استفاقة كان يتمتم بصوت سمعه الجالس إلى جواره على دكة البدلاء خلال موسمه الأخير مع اليونايتد.

عينه تركض خلف الكرة التي تركل أمامه ولا يستطيع الوصول إليها: "لقد رُزقت بموهبة كبيرة منذ ولادتي، وأحيانًا يكون ذلك سببًا في تدمير حياة المرء، فكما كنت أسعى إلى التفوق على كل خصومي بالملعب، كنت أحاول أيضًا التخلص من الناس عندما أتجول في الشارع".

تهديد مزدوج

اشتد صراع جورج بست مع الجيل المحافظ داخل أولد ترافورد، وظهر ذلك جليًا في الجملة التي قالها عن قائد الفريق: "أمثل المستقبل، أما تشارلتون فيمثل الماضي".

بست الذي بدأت حدته تتصاعد، تابع: "لا يتعين علينا أن نلتزم بشكل كامل بتقصير الشعر من الخلف والجانبين وارتداء سترة النادي في جميع الأوقات كما كان يحدث في السابق".

صنع بست معركته الخاصة، وكأنه يواجه ممثلي الدولة التي تخوض حربًا مع بلده، معلنًا عام 1972 اعتزاله كورقة ضغط على الإعلام الإنجليزي الذي هاجمه بسبب أصوله الأيرلندية، يغيب على إثرها عن التدريبات.

حاول توم دوشرتي، رئيس النادي وقتها، أن يوصل رسالة قوية لمنع تكرار الأمر مجددًا ففي إحدى أهم مباريات الدوري الإنجليزي دخل غرفة تغيير الملابس، موجها حديثه لجورج بست: "أنت لن تلعب اليوم، لأنك قد غبت عن التمرين".

رغم الصدمة التي أصابت الجميع، رد بست بكلمته الشهيرة والأخيرة بنفس الوقت في مانشستر: "إن فتحت هذا الباب وغادرت، فلن أفتحه وأنا قادم لمانشستر مرة أخرى".

دنو الأجل يجعلك واضحًا

أثر الإدمان

خرج بست للتو من مستشفى قضى فيه فترة نقاهة أعقبت خضوعه لعملية زرع كبد جديد، لتكون تلك أطول فترة توقف فيها عن تناول الكحول.

رحل عن أجواء المستشفى الصارمة، محملاً بنصيحة لم يلق لها بالاً: "لقد منعت من تناول الكحول! أريد الآن تعويض ما فاتني".

عاد مجددًا للحانة التي طالما مكث فيها هربًا من المعجبين، بعد أن طلّق زوجته أليكس.. جرعة بعد الأخرى حتى وصل إلى الثمالة.

"الصدمات لم تنته بعد"، قالها بست وهو يجر رجله خلفه التي طالما أسعدت الجماهير.

وجد نفسه على ذلك الحال، فقرر وكأنه يسعى لعقد مقارنة مع المكان الذي صنع فيه المجد: "سأذهب إلى أولد ترافورد لأرى ما هو عليه الآن".

أوقفه رجل شرطة. "أرني أوراقك" قالها قبل أن يعرف هويته، ليجده ثملاً فيلقي القبض عليه، ويحكم عليه بالسجن 3 شهور قضاها في سجن فورد المفتوح.

الاعتراف بالذنب

مرحلة صعبة جديدة مر بها أسطورة مانشستر يونايتد، زادت من ارتباطه بالكحول، وكأنه متمسكًا بما يُذكره بالمجد، خصوصًا بعد أن هجرته الحسناوات.

بعد فترة من الوحدة، حُجز بست في حجرة بمستشفى كرامويل وسط لندن، يحدق في الأرجاء محدثًا نفسه: "لم يفهم الآخرون الضغط الذي كنت أعاني منه".

وبرر سقطاته ونزواته، وكأنه يبحث عن دليل يرضي به ضميره: "فقط كنت أجد صعوبة متزايدة في إيجاد أي حافز".

دخل أحد الأطباء الصغار لتذكيره بموعد جرعة العلاج: "لماذا تنظر إلى النافذة؟".

رد بست على مهل: "أريد أن أطلق آخر تصريحاتي".

توقف قليلاً منتظرًا بست أن يعتدل ويبدأ الرسالة: "إذا أردتم أن تنظروا إلى حياتي الكروية، فتذكروا بدياتي فقط مع الشياطين الحمر، وليس النهائيات، فكم كانت أيامًا عظيمة".

إعلان
إعلان
إعلان
إعلان