
تسمح لنا تكنولوجيا الاتصالات الحديثة بالتواصل المباشر عبر المكالمات الصوتية والمرئية ورسائل البريد الإلكتروني، إذ تنتقل الصور والرسائل الفورية مباشرة والفيديو من شخص لآخر بغض النظر عن مواقعنا، ودون الحاجة إلى وسيط.
لكن عندما يتعلق الأمر بالمال لطالما كان على الناس أن يثقوا في طرف ثالث لإتمام تعاملاتهم (كالبنوك وشركات تحويل الأموال)، ومن هنا ظهرت فكرة استخدام تقنية سلسلة الكتل Blockchain لإنهاء هيمنة الوسطاء.
تمثل تقنية سلسلة الكتل (بلوك تشين Blockchain) تكنولوجيا ناشئة في متناول أي شخص متصل بالإنترنت، تستهدف خلال العِقْد المقبل على أقل تقدير نسف الأفكار التقليدية عن التعاملات المالية بأشكالها المتنوعة، مرتكزة على قاعدة من الثقة والشفافية لتبادل كافة أنواع البيانات الرقمية وتوثيقها دون الحاجة إلى وسيط مركزي، وبإشراف جماعي.
ويسلط كووورة الضوء على تقنية سلسلة الكتل Blockchain وتطبيقاتها المختلفة بشكل عام، وعلاقتها بالرياضة وكرة القدم تحديدا، في عدة حلقات متنوعة تُنشر أسبوعيا.
متى ظهرت تقنية سلسلة الكتل Blockchain لأول مرة؟
في بيئة مختلفة نسبيا، قادت فضيحة علمية في الولايات المتحدة منتصف الثمانينيات من القرن الماضي إلى ضرورة البحث عن طريقة مثالية لتسجيل وتأريخ نتائج الأبحاث العلمية رقميا بدقة متناهية لتفادي محاولات الاحتيال والعبث بمراحل البحث وتلفيق النتائج.
كان ذلك نتيجة ضجة مدوية في المجتمع الطبي والعلمي في الولايات المتحدة عام 1986 عندما اكتُشفت نتائج ملفقة في ورقة بحثية نشرت في مجلة Cell حول تفاصيل إنتاج الأجسام المضادة، شاركت فيها طبيبة المناعة تيريزا إيمانيشي كاري مع الطبيب المرموق ديفيد بالتيمور الحائز على جائزة نوبل عام 1975، وآخرين.
وظهرت الأخطاء عند مقارنة النتائج المنشورة في الصورة النهائية للورقة البحثية مع دفاتر المختبر التي أظهرت تلاعب كاري في تواريخ ونتائج البحث، وكانت اللحظة الحاسمة عندما تبين أن كاري سجلت في دفاتر المختبر بيانات تثبت أن جزءا من تجاربها "لم ينجح" لكنها كتبت أنها نجحت في الورقة البحثية، خلافا للواقع!
انتهت القضية، التي وصل صداها إلى الكونجرس، بعد سنوات من الجدل بتبرئة الدكتورة إيمانيشي كاري من التهم المنسوبة إليها وسط تشابك وغموض بين تصنيف ما قامت به بأنه "سوء سلوك أم احتيال".
وأدت الدعاية السلبية حول القضية لاستقالة الدكتور بالتيمور من منصب رئيس جامعة روكفلر، رغم عدم وجود أي صلة بينه وما قامت به كاري، سوى ثقته بها وعدم مراجعته نتائج ورقتها البحثية بدقة.
في غضون ذلك كان عالم الفيزياء النظرية سكوت ستورنيتا شاهدا على تلك الأحداث المؤسفة التي أساءت للمجتمع العلمي الأمريكي.
ورأى ستورنيتا ضرورة التحرك لمنع تكرار التلاعب في السجلات، واستفاد من وجوده في معامل Bell الشهيرة (حاليا الذراع البحثية لشركة نوكيا) إذ كانت تضم علماء من تخصصات مختلفة، فأقنع زميله عالم التشفير ستوارت هابر بالعمل معه لحل المشكلة.
كان الحل الذي ابتكره ستورنيتا وهابر عام 1991 هو أساس تقنية سلسلة الكتل (بلوك تشين – Blockchain).
لقد أقنع ستورنيتا زميله هابر بأن ثبات السجلات الرقمية مشكلة تستحق أن يعملا عليها، وتوصلا في النهاية إلى استخدام ما يعرف بخوارزميات التجزئة (هاش – HASH) لتأمين المعلومات رقميا.
وبتفسير بسيط، يمكن القول إن الـ هاش (HASH) عبارة عن عملية حسابية تعمل بمثابة "توقيع رقمي" يتم من خلالها تحويل بيانات نص عادي بأي حجم إلى نص مشفر فريد (كود) بطول معين، وفي حال تغيير أي جزء من البيانات المدخلة أو تسلسلها الزمني يتغير الكود تلقائيا، مما يكشف أي عملية تلاعب أو تعديل.
بدأ ستورنيتا وهابر ثورة تكنولوجية كان هدفها الأساسي الحفاظ على تكامل المستندات الأصلية ومقاومة العبث بها، من أجل حماية دفاتر المختبرات رقميا، وحفظ أسبقية الاكتشافات العلمية والمصادقة عليها في براءات الاختراع وما شابه.
وبعد نحو 18 عاما جاء المبتكر "المجهول" ساتوشي ناكاموتو (اسم مستعار) ليطور كل المحاولات السابقة في هذا المجال بتأسيس ما يمكن تسميته دستور نظام النقد الإلكتروني بيتكوين القائم على مبدأ الند للند، المعروف بـ الورقة البيضاء في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2008.
وضمن مراجع ورقته البيضاء اعترف ناكاموتو بجهد ستورنيتا وهابر وفضلهما في ظهور بلوك تشين.
لقد أطلق ناكاموتو كود بيتكوين الأول في 3 يناير/ كانون الثاني 2009، وقد بنى نظامه المالي المطور والأنجح للعملات الرقمية على قاعدة بلوك تشين Blockchain التي تعد بمثابة المحرك الرئيسي لكل عمليات تداول العملات الرقمية المشفرة والتعاملات المالية المنبثقة منها، وقد تشعّب استخدام هذه التقنية لتشمل غالبية مجالات الأعمال المادية والفكرية على اتساعها.
قد يعجبك أيضاً



