مونديال السيدات.. شجاعة "الأخضر" تلهم رينارد لإنقاذ الحلم الفرنسي

كان اليوم الأخير من أغسطس/آب عام 2017 حافلا بالتفاؤل: الاتحاد الفرنسي لكرة القدم أعلن وقتها تعيين كورين دياكر مديرة فنية لمنتخب السيدات، واضعا بذلك حجر الأساس لمشروع قال إنه يستهدف به في المقام الأول رفع كأس العالم التي ستنظمها البلاد بعد عامين (2019).

لكن بدا لاحقا أن الخيال ربما يكون أوسع مجالا من الواقع الذي تحول فجأة إلى كابوس نُسجت خيوطه يوما بيوم مع استمرار دياكر، إذ انتقل المشروع الحالم الذي كان مخططا له أن يكون "طويل الأجل" إلى خانة الانهيار!

لم تكن كورين دياكر أول امرأة تدير المنتخب الأزرق فنيا، لكنها أطلت من نافذة فريدة فقد كانت قبل ذلك أول مديرة فنية تدير فريقا للرجال.

وقادت دياكر بعمر 39 عاما فريق كليرمون بدوري الدرجة الثانية الفرنسي في 2014، واستمرت معهم حتى 2017.

وأدارت دياكر كليرمون في 133 مباراة: 49 انتصارا، 38 تعادلا، 46 خسارة في كل المسابقات.

ثورة مكتومة

لم تنتظر دياكر طويلا، فقد أرادت منذ اليوم الأول فرض شخصيتها على لاعبات المنتخب ذوات الخبرة، فقررت نزع شارة القيادة من اللاعبة المخضرمة ويندي رينارد أواخر عام 2017.

ورغم أنها استعادت الشارة لاحقا بعد 4 أعوام، لكن مدافعة ليون أعلنت اعتزالها الدولي في فبراير/شباط الماضي قبل نحو 5 أشهر من انطلاقة مونديال السيدات 2023 في أستراليا ونيوزيلندا.

وقالت رينارد: "إنه يوم حزين لكنه ضروري للحفاظ على صحتي العقلية. لسوء الحظ لن ألعب في كأس العالم (2023) في مثل هذه الظروف".

لقد كشفت رينارد عن الأزمة علنا، ومع تضامن قائدات المنتخب كاديدياتو دياني وماري أنطوانيت كاتوتو، وإعلانهن أيضا رفض تمثيل المنتخب حتى "تنفيذ التغييرات الضرورية" بات مستقبل المدربة دياكر على المحك.

كواهل مثقلة

في اللحظة المنتظرة لم تكن سيدات فرنسا وسط هذه الظروف قادرات على تجاوز أعبائهن والتقدم نحو الهدف المنشود في مونديال 2019، فقد كانت كواهلن المثقلة بالضغوط النفسية والأجواء المشحونة حائلا دون تحقيق أي شيء فخرجن من ربع النهائي أمام منتخب أمريكا (2-1).

وتصف حارسة مرمى فرنسا سارة بوحدي مونديال 2019 بـ "الفشل الرياضي" لذلك قررت الابتعاد عن المنتخب لاحقا، وقالت في أكتوبر/تشرين الأول 2020: "الفوز بلقب مع هذه المدربة يبدو مستحيلا".

وأضافت: "هذه كلمات قوية، لكننا نعيش في مناخ سلبي للغاية. تعتقد كثير من اللاعبات ذلك أيضا لكنهن لا يقلن ذلك. يمكنني الجزم بأن منتخب فرنسا لن يفوز بيورو 2022 إذا بقيت كورين دياكر".

في يورو 2022 صدقت نبوءتها وخرجت فرنسا بالفعل من نصف النهائي (2-1) أمام إنجلترا، كما أخفقت في مباراة الميدالية البرونزية وهزمت من السويد التي أكملت المباراة منذ الدقيقة 68 بـ10 لاعبات، بنتيجة 2-1 أيضا.

وتقول النجمة أماندين هنري التي لم تدخل المنتخب منذ عام 2020 بسبب خلافات مع دياكر حول تجربة مونديال 2019: "رأيت فتيات يبكين في غرفتهن. بكيت أيضا في غرفتي. كانت فوضى تامة".

لاحقا، أقيلت دياكر رسميا في التاسع من مارس/آذار الماضي، وعين مكانها المدير الفني هيرفي رينارد بعد أيام.

بعد العاصفة

في أواخر العام الماضي كان رينارد مدربا للمنتخب السعودي في مونديال قطر 2022 للرجال، ورغم فشلهم في اجتياز المجموعات، إلا أن فوزهم المفاجئ على الأرجنتين (2-1) في مباراتهم الافتتاحية حول انتباه العالم نحوهم.

هذا النوع من الشجاعة ربما يكون أكثر شيء ملهم قد تستفيد منه سيدات فرنسا في كأس العالم بعد نحو أسبوع من الآن.

لكن رغم المواهب الخاصة التي يمتلكها المنتخب الأزرق التي تضعهم بين المرشحين لبلوغ أبعد نقطة ممكنة، فإن تاريخ البطولات الحديثة ليس في صالحهم تماما.

فور استلامه المهمة قرر رينارد أن يلجأ سريعا لرفع المعنويات في ظل ضيق الوقت فاسترضى اللاعبات الغاضبات وأعاد القائدة ويندي رينارد.

وفقد المدرب نجمة الوسط الدفاعي أماندين هنري للإصابة، إضافة للمهاجمتين كاتوتو ودلفين كاسكارينو، غير أنه استعاد ركيزة أساسية أخرى هي مهاجمة نادي ليون أوجيني لو سومر.

لقد بدا تأثير هيرفي السريع لتحسين الأجواء واضحا في كلمات القائدة ويندي رينارد إذ قالت: "طالما أن الرؤية باتت واحدة، فعندئذ يمكننا تحقيق شيء عظيم".

وصرحت: "يقودنا مدرب يتمتع بخبرة كبيرة ولديه شخصية كاريزمية أيضا. نتوقع أن نستفيد كثيرا بتجربته، بالنظر إلى أنه فاز بألقاب كبرى".

قاد هيرفي رينارد منتخب رجال زامبيا إلى لقب كأس الأمم الأفريقية 2012، ثم كرر الإنجاز مع كوت ديفوار في 2015.

كما صعد بمنتخبي المغرب والسعودية لمونديالي 2018 و2022 على الترتيب.

وستشارك فرنسا في كأس العالم للسيدات للمرة الخامسة هذا الشهر، علما بأنها خرجت من دور الثمانية في آخر نسختين، وكانت أفضل نتيجة حققتها هي المركز الرابع في 2011.

وستبدأ فرنسا مشوارها في المجموعة السادسة ضد جامايكا في 23 يوليو/تموز الجاري، قبل مواجهة البرازيل ثم بنما.