من رحم المعاناة.. معجزة جماهيرية تحلق بالأهلي في سماء المجد

إذا تحدثنا عن الوفاء والصمود والقوة والعشق وغيرها من المعاني الرائعة، فيجب ذكر جماهير نادي أهلي جدة، فهي تعتبر بمثابة الشعب الذي لا يمكن أن يتخلى عن بلده في أصعب الظروف والمحن.

الشعب هو أقوى الأصوات التي يمكن أن تؤثر على مصير دولته في بعض الظروف، وكذلك الوضع ينطبق على الجماهير الخضراء التي ضربت مثالا يحتذى به في الوفاء والصبر من أجل إعادة ناديها لقمة المجد.

شعب الأهلي تمكن من قيادة فريقه إلى تحقيق لقب دوري أبطال آسيا للنخبة للمرة الأولى في التاريخ، بفوزه على كاواساكي الياباني، أمس السبت، بنتيجة (2-0)، خلال المباراة التي أقيمت بملعب "الإنماء" في جدة.

ويستعرض "كووورة " خلال السطور التالية المحطات التي مر بها الأهلي خلال السنوات الماضية حتى عاد لقمة المجد.

ضربة تاريخية

جاء إنجاز الأهلي بعد سنوات من المعاناة والتخبط، حيث بدأ الأمر باحتلال المركز الثامن في جدول ترتيب الدوري السعودي (2020-2021)، بعد سلسلة من النتائج الكارثية.

 استمر الوضع على ما هو عليه، حتى هبط إلى دوري الدرجة الأولى "يلو" في الموسم التالي (2021-2022)، وذلك للمرة الأولى في التاريخ، بعدما احتل المركز 15.

سقوط الأهلي لم يسبب صدمة جماهيره فحسب، بل كان بمثابة الصاعقة التي نزلت على الكرة السعودية بأكملها، نظرا لأنه أحد أهم الأندية في تاريخ العرب.

وهبط "الراقي" لدوري يلو، نتيجة أزمات إدارية عدة، متمثلة في تأخر دفع الرواتب بجانب القضايا، وفشل تجديد عقود بعض اللاعبين، تزامنا مع الانتقادات الجماهيرية لتسقط سفينة الأهلي في مشهد لن ينساه أصغر مشجع للنادي.

وتسبب ذلك، في رحيل العديد من النجوم عن النادي الذين جاء على رأسهم الأسطورة عمر السومة، رغم أن الجماهير كانت تتوقع استمراره في هذه المرحلة الصعبة.

فضلا عن الحارس الدولي محمد العويس الذي قرر الانضمام لنادي الهلال، بعد نهاية عقده، بالإضافة لعدد كبير من النجوم الأجانب والمحليين.

عودة سريعة

بعد هبوط الأهلي أصبح لا يمتلك أسلحة قوية لمحاربة خصومه، سوى جماهيره التي لم تتخل عنه لحظة واحدة في أغلب مباريات موسم (2022-2023).

وبالفعل، تمكن الأهلي خلال موسم واحد من هبوطه إلى العودة لدوري الأضواء والشهرة، بعدما توج ببطولة يلو، نتيجة احتلال صدارة الترتيب، برصيد 72 نقطة.

وبخلاف سلاح الجماهير، فيعود الفضل في عودة "الراقي" لدوري المحترفين إلى المدرب الجنوب أفريقي بيتسو موسيماني الذي وافق على التحدي، بعد أشهر قليلة فقط من رحيله عن تدريب الأهلي المصري.

وهناك بعض الأسماء المتواجدة حاليا في صفوف الفريق، شاركت في عودة الأهلي لدوري المحترفين، وهم علي مجرشي وزياد الجهني وريان حامد وعبدالرحمن الصانبي ومحمد المجحد.

وكان المشهد الأبرز بعد تحقيق اللقب، هو رفض لاعبي الأهلي الاحتفال بالتتويج، وذلك من أجل الاعتذار للجماهير عن الهبوط لدوري الدرجة الأولى.

طفرة سعودية

بعدما عاد الأهلي لمكانته الطبيعية، فقد وقع عليه الاختيار رفقة الهلال والاتحاد والنصر، ليصبح ضمن أندية مشروع صندوق الاستثمار السعودي، الذي يهدف لجلب نجوم الكرة العالمية إلى المملكة.

وبالفعل، تم تغذية الفريق الأهلاوي بالعديد من النجوم الكبار خلال صيف 2023، حيث تم التعاقد مع كل من الحارس السنغالي إدوارد ميندي والبرازيليين روبرتو فيرمينو وروجيه إيبانيز والتركي ميريح ديميرال، بجانب لاعب الوسط الإيفواري فرانك كيسي.

فضلا عن الموهبة الإسبانية الصاعدة جابري فيجا والجزائري رياض محرز والفرنسي آلان سانت ماكيسيمان، بالإضافة لتعيين المدرب الألماني الشاب ماتياس يايسله.

وتمكن "الراقي" خلال الموسم الماضي من الظهور بصورة جيدة، بالتواجد في المركز الثالث المؤهل لدوري النخبة الآسيوي، وهو كان الهدف الأول بعد العودة لدوري روشن.

وحدد الأهلي بعدها عدة أهداف خلال الموسم الجاري، أهمها المنافسة على جميع الألقاب، وخاصة الدوري ونخبة آسيا، ولكنه اصطدم بعدة أزمات.

أزمات وانتقادات

رغم التوقعات التي كانت تشير إلى أن الأهلي سيظهر بنسخة مرعبة خلال الموسم الجاري، إلا أن جماهيره اصطدمت بواقع أليم، متمثل في رحيل الجناح الفرنسي ماكسيمين وعدم تعويضه في الميركاتو الصيفي.

الأهلي الذي كان يعتبر أحد أهم أندية صندوق الاستثمار السعودي، لم يتمكن من إجراء صفقة قوية خلال صيف 2024، باستثناء المهاجم الإنجليزي إيفان توني، ما تسبب في حالة احتقان جماهيري، بالإضافة لانتقادات حادة للإدارة وصناع القرار في قطاع الرياضة.

وبدأ موسمه بخسارة لقب السوبر السعودي، بوداع الدور نصف النهائي أمام الهلال، بركلات الترجيح، قبل أن يحقق 3 انتصارات فقط في أول 9 جولات، بجانب 6 تعثرات (خسر 4 وتعادل 2).

وبرر يايسله هذا التراجع في العديد من المناسبات بأنه لم يحصل على الدعم المطلوب، ولكن رغم ذلك سيكمل عمله، ليحصل على دعم الجماهير، رغم الهجوم الذي الإداري والإعلامي الذي عانى منه.

لكن الميركاتو الشتوي كان شاهدا على دعم الفريق، بواحدة من أبرز الصفقات المتمثلة في ضم البرازيلي ويندرسون جالينو من بورتو البرتغالي.

الجماهير تصنع الحدث

كانت النقطة الفارقة في الموسم الحالي، هو سقوط الأهلي أمام الخلود في الجولة 15، بهدف دون رد، حيث خرجت عدة أنباء من داخل النادي تشير إلى أن الإدارة في صدد الإعلان عن رحيل يايسله.

فضلا عن المفاوضات المتقدمة التي أجراها النادي مع المدرب الإيطالي ماسيميليانو أليجري، ولكن جاءت الجماهير لتصنع الحدث بتحركات نارية ضد قرارات مجلس الإدارة، بالاحتشاد أمام بوابات النادي ورفع اللافتات التي تدعم بقاء يايسله.

وخطفت الجماهير أنظار الجميع برفع لافتة بعنوان: "كفى فشل.. ارحل" في رسالة نارية لإدارة النادي مع دعم مستمر ليايسله، عبر هاشتاج على منصة "إكس" (الجمهور يطلب التدخل).

وبالفعل، تواصلت الإدارة مع رئيس رابطة مشجعي الأهلي من أجل تهدئة الوضع وتنفيذ مطالبهم، ليبقى يايسله على رأس القيادة الفنية للفريق، مع التراجع عن التعاقد مع أليجري.

وتسبب هذا التدخل في خلق حالة من الترابط بين المدرب واللاعبين والمشجعين حتى أصبحوا على قلب رجل واحد، وتحسنت النتائج بانتصارات متتالية على مستوى الدوري، بالإضافة لظهور ناري بالبطولة الآسيوية.

معجزة الأهلي

ارتفع نسق الأهلي بشكل مذهل مع تحسن واضح في مستوى اللاعبين، بالإضافة لتعامل يايسله المميز في المباريات الكبرى، حيث حقق فوزا تاريخيا على الهلال (3-2) بالجولة 23، فضلا عن التعادل مع الاتحاد (2-2) بعد 3 جولات.

وواصل مشواره المذهل في بطولة آسيا، عبر التأهل لثمن النهائي كوصيف لمجموعة الغرب بالتساوي مع الهلال في النقاط، وتأخر بفارق الأهداف فقط، ولكنه كان الفريق الأكثر تميزا من الناحيتين الفنية والتكتيكية.

وفي الدور ثمن النهائي، تمكن الأهلي من إقصاء الريان القطري، بالفوز عليه ذهابا وإيابا (3-1) و(2-0) على الترتيب، قبل أن يخدمه قرار الاتحاد الآسيوي، بإقامة الأدوار الأخيرة في جدة على أرضه ووسط جماهيره.

وتمكن الفريق الأهلاوي من الظهور بصورة رائعة، بتفوقه على بوريرام التايلاندي في ربع النهائي (3-0)، ثم هزم الهلال في الدور التالي (3-1)، ليحقق انتصارين متتاليين ضد الزعيم على مستوى الدوري وآسيا.

وصنع المعجزة في نهاية المطاف، بتحقيق اللقب الآسيوي على حساب كاواساكي، في مباراة كان الطرف الأفضل فيها بكافة النواحي، ليضمن المشاركة في نفس البطولة بالموسم المقبل، والتأهل لمونديال الأندية 2029، والمشاركة في كأس القارات.

يايسله يرد الدين

"أشكر الجماهير من أعماق قلبي، حيث أسفر دعمهم على نهاية رائعة"، بتلك الكلمات بدأ يايسله المؤتمر الصحفي بعد التتويج، معبرا عن امتنانه الشديد لأنصار النادي.

ونجح المدرب الألماني في رد الدين للجماهير التي آمنت به، ورفضت التخلي عنه في مرحلة صعبة، حيث كان يدافع عن حقوق النادي فيما يتعلق بالقرارات التحكيمية وضعف الميركاتو، بالإضافة للعمل في صمت.

وبعيدا عن ذلك، فإن يايسله استحق التواجد في مكانه عن جدارة واستحقاق، بفضل قوة شخصيته وقدرته على تطوير اللاعبين، ورفع النسق الهجومي، وتحسين الجوانب الدفاعية إلى حد كبير.

وبفضل المدرب الطموح، فقد أصبح "الراقي" يمتلك طريقة هجومية رائعة متمثلة في الضغط على الخصم من كافة جوانب الملعب، مع تحركات لا مركزية مذهلة من الثلث الأمامي، حيث أعاد الثنائي رياض محرز وإيفان توني لدائرة التألق، فضلا عن دخول جالينو في الأجواء، والاستفادة من خبرة روبرتو فيرمينو آسيويا.

كذلك، جعل ميريح ديميرال وروجيه إيبانيز، الثنائي الدفاعي الأفضل في الدوري السعودي وآسيا، بشهادة المحللين، ليثبت صحة نظر الجماهير التي ساهمت في صناعة معجزة الأهلي في نهاية المطاف.