
تكررت محاولات المنتخبات الأردنية المتلاحقة في تحقيق أي أنجاز، يعكس ذلك العشق لكرة القدم، وإثبات قدرة اللاعب الأردني على الحضور في المحافل الإقليمية والدولية، لكن العقبات دوما كانت أكبر من الطموح، والخروج من الأدوار التمهيدية للبطولات الآسيوية وتصفيات كأس العالم تحول لمشهد اعتادت عليه الجماهير بشكل محبط وخانق.
في عام 1997 كانت البذرة الأولى للإنجاز بتحقيق الميدالية الذهبية في دورة الألعاب العربية التي استضافتها بيروت، وحينها وضع المنتخب الأردني نفسه على الخريطة العربية، ولكنها كانت مجرد ميدالية في دورة كبيرة، وتكرر الأمر ثانية في عام 1999 ليحافظ النشامى على هذه الميدالية على أرضهم وبين جمهورهم في المشهد الأخير لدورة الحسين، وأمام أعين قائد الوطن الملك عبدالله، وقد تكون هذه الميدالية الشرارة الأولى التي أوقدت مرجل العمل من أجل الخروج من منطق (المشاركة من أجل المشاركة) نحو إدخال مصطلح المنافسة في قاموس الكرة الأردنية.
القصة باتت طويلة بتفاصيلها، والكثيرون يعرفون فصولها التي بدأت في 2004 بوصول النشامى لنهائيات أمم آسيا للمرة الأولى في التاريخ، وتجاوزهم الدور الأول والخروج من ربع النهائي بركلات الترجيح أمام الساموراي الياباني، ووصولا إلى التتويج بميداليات المركز الثاني في البطولة الأخيرة التي استضافتها قطر، وسبقتها محاولة كادت أن تنجح بالوصول لنهائيات كأس العالم 2014 في البرازيل، لولا تفاصيل صغيرة حجمت الأمل في الخطوات الأخيرة.
ويبدو أن هذا الجيل الذي يقوده التعمري والنعيمات وعلوان وحداد وديارا ومرضي والعرب وأبو ليلى وبقية رفاقهم، تحت إدارة المدرب المغربي الحسين عموتة بات أكثر إصرارا على تحقيق الأحلام البعيدة، فتوج مسيرة المرحلة الأولى من تصفيات كاس العالم بصدارة مستحقة على حساب المنتخب السعودي صاحب الصولات والجولات في المونديال، وإلحاقه الهزيمة الوحيدة بالمنتخب الأرجنتيني المتوج بالبطولة الأخيرة، بقده وقديده تحت قيادة المدرب الإيطالي مانشيني ومساعده نجم برشلونة ومانشستر سيتي السابق يايا توريه، وحضور النجوم المرصعة في الدوري السعودي الذين يتقدمهم الدوسري والبليهي وغريب والخيبري وغيرهم ممن يلعبون في الدوري الأغلى حاليا في القارة الآسيوية والمنافس لكثير من الدوريات الأوروبية بحضور نخبة نجوم اللعبة بقيادة كريستيانو رونالدو.
قلناها سابقا وما زلنا نرددها، النشامى يحفرون الصخر، ويحققون المعجزات أمام منتخبات تفوقهم كثيرا خبرة وإمكانيات ونجومية، ويبدو أن هناك سرا دفينا يدفعهم لكل هذه النتائج الباهرة، في ظل إمكانيات متواضعة قياسا بمن يواجهونهم، فالدوري الأردني بلا أي جهة راعية، والمباريات تقام على ملاعب قديمة أحدثها أنشئ قبل 25 عاما، والملعب الرئيسي ستاد عمان يقترب من عامه الستين في الخدمة وسعته لا تتجاوز 16 ألف متفرج، والدوري الأردني يقام بدون تقنية الفار، وبحضور جماهيري خجول، أنديته معظمها مدينة وتتأخر في صرف رواتب اللاعبين والأجهزة الفنية، وبطل الدوري يحصل على جائزة لا تزيد عن 80 ألف دولار، ومحترفوه لا يلعبون مع فرق الصف الأول في دورياتهم.
مجرد التفكير في واقع الكرة الأردنية الصعب، الذي يعاكس تماما نتائج النشامى وحضورهم المميز آسيويا، يدفع للتفكير كثيرا بهذا السر الذي بات مرافقا لكل استحقاق، هل هي الإرادة والتصميم؟ أم الدعم الكبير الذي يحظى به المنتخب من القيادة السياسية، ووجود خطط ناجعة لدى اتحاد اللعبة، أم للجماهير الأردنية التي اعتادت الوقوف خلف منتخبها في كل استحقاق؟ أم هو الدعاء الخالص من حناجر الأمهات والآباء لهؤلاء الشباب الذين رفعوا راية الوطن وتغنوا بانتمائهم وعشقهم لترابه؟
صراحة..ما يقوم به النشامى مقارنة بواقع الكرة الأردنية أمر إعجازي، يثبت أن هناك ما هو أقوى من المال والإمكانيات الكبيرة، وأن الطموح سقفه السماء، والمجتهدون هم من يستحقون الاستمتاع دوما بالانتصار، ونتمنى أن يكلل مشوارهم هذه المرة بتحقيق الهدف الأسمى بالوصول إلى نهائيات كأس العالم، وهو حلم عاشه الأردنيون كثيرا، وباتوا قريبين جدا من تحقيقه.


