
تعاني جماهير كرة القدم الأردنية، الأمرين، عندما تشد الرّحال صوب ملعب ما، لمؤازرة فريقها في مباراة كرة قدم، وهي معاناة إن تواصلت، فإن يوماً ما -أراه قريباً-، سنشتهي وجود متفرجين في ملاعبنا.. وستسكننا الحسرة عليهم دون رأفة!.
في الأردن، المتفرج قد يضطر للحصول على إجازة أو يتقدم بطلب مغادرة من عمله، وطالب المدرسة قد يجتهد في البحث عن طريقة ذكية للخروج من مدرسته مع نهاية الحصة الرابعة وكذلك يفعل طالب الجامعة بالتغيب عن المحاضرة الأخيرة، فحضور مباراة جماهيرية، يتطلب تواجده حول أسوار الملعب قبل بدء المباراة بست ساعات على أقل تقدير، لضمان دخوله مدرجات الملعب قبل اطلاق صافرة البداية.
وفي الأردن، فإن المتفرج يمنع منعاً باتاً من إدخال زجاجة الماء داخل الملعب، ويتعرض لتفتيش صارم، ويجد صعوبة بالغة في توفير وسيلة نقل تعيده إلى منزله، فهو قد يصل في منتصف الليل، وقبل كل ذلك فإنه مطالب بالإصطفاف خلف طابور "له أول وليس له آخر" لشراء تذكرة الدخول، ومن ثم يكرر ذات المهمة عندما يصطف مجدداً خلف طابور للدخول إلى المدرجات، حيث يصلها بعد "نشفان ريقه" !!.
وفي الأردن، فإن المقاعد المخصصة للجماهير متسخة، ومرافق الملعب غير صالحة للإستخدام، وغالبية مدرجات الملعب تخلو من مظلة تقي هؤلاء الجماهير من لهيب الشمس الحارقة، أو أمطار الخير الغزيرة .
وفي الأردن، الجماهير ممنوعة من اصطفاف سياراتها بالمناطق المحيطة للملعب، وأسعار التذاكر بدأت بالأرتفاع، وبذلك معاناة تضاف إلى ألف معاناة ومعاناة، وما حملات المقاطعة التي أعلنتها بعض الجماهير -وقد تتجدد من الجماهير كافة-، ألا دليلاً يؤكد حجم ما تعانيه من مشقة "الترحال والسفر" إن جاز التعبير..!.
وفي المقابل ،فإن الإتحاد الأردني المشرف على كل ذلك، يخرج علينا بين الفينة والأخرى بالتأكيد مراراً وتكراراً على احترافية العمل للنهوض بكرة القدم، ويطلق الشعارات المزخرفة بأجمل العبارات وهي التي تبدو مجرد بالونات دعائية يطلقها بالهواء وتشير إلى حجم التطور والإزدهار الحاصل على صعيد كرة القدم الأردنية ، دون أن يكون لها أدنى صلة بالأمر الواقع.
ويؤكد الإتحاد الأردني باستمرار أن الجمهور يعتبر أحد الأركان الرئيسة لكرة القدم، وبأنه اللاعب رقم "12" وخاصة قبل أي مباراة للمنتخبات الوطنية، فهو يحفز الجماهير على الحضور في بعض الأحيان تفادياً للإحراج أمام المنتخبات الشقيقة والصديقة.
ويبدو أن القائمين على الإتحاد الأردني غير مكترثين بإيجاد الحلول الجذرية للحد من ظاهرة معاناة الجماهير، لأنهم بمنتهى البساطة يدركون جيداً مقدار شغف وتلهف الجماهير لمساندة فرقهم وولعهم بكرة القدم، لذلك فإن المعاناة مهما طالت فالجماهير عاشقة لفرقها ولن تألوا جهداً في سبيل الوصول إلى الملعب، حتى لو اضطرت الوصول إليه مشياً على الأقدام.. إذن لماذا نكلف أنفسنا عناء البحث عن حلول!.
وقد لا يعلم المعنيين بالإتحاد الأردني ، بأن منهاج اللغة العربية للصف الرابع الإبتدائي في الأردن، يتطرف في إحدى الدروس، إلى التجربة اليابانية في عالم كرة القدم ، وكيف أن المتفرج يصل إلى مكانه بالمدرج بكل يسر وسهولة، حيث يحمل تذكرة دخول مرقمة، ويطابقها مع رقم مقعده النظيف، والذي توضع فوقه زجاجة ماء احتراماً وتقديراً لحضوره، فيجلس ويستمتع بأحداث المباراة دون غصة أو أدنى مشقة.
ولا نعرف بعد كل ذلك، ما الحكمة من إدراج درس يتحدث عن التجربة اليابانية في منهاج طلاب الصف الرابع الإبتدائي؟، هل هو لزيادة حسرة جيل المستقبل عندما يقوم بمقارنة ما يراه في ملاعب الأردن وبين ما يقرأه عن ملاعب اليابان، أم أنه لمجرد اطلاع هؤلاء الطلاب الصغار على التجارب الناجحة للإتحادات الشقيقة، وليعرف حجم تجاربنا الفاشلة؟.
أليس من باب أولى أن يقرأ هذا الدرس المهم ويتمعنه المعنيين بالإتحاد الأردني، وبحيث يستخرجوا منه الدروس والعبر ويتعرّفوا معاني الكلمات، أم أننا مطالبون بانتظار طلاب الصف الرابع الإبتدائي ليكبروا ويطبقوا لنا ما تعلموه في ملاعب ستخلو حينها من الجماهير!.



