
ظُهر 13 مايو/ أيار عام 2012 – مدينة مانشستر
زحام مروري في شوارع مانشستر وجون بارنيت يسند رأسه إلى زجاج السيارة، يتأمل الطُرقات ويطلق العنان لخيالاته، التي انطلقت ركضًا نحو ملعب الاتحاد، حيث الحلم المنتظر.
ساعة تفصل الفتى المراهق عن الحلم الذي طال انتظاره.. مباراة الجولة الأخيرة في البريميرليج وفريقه مانشستر سيتي يستعد لمواجهة كوينز بارك رينجرز، فالفوز يعني معانقة لقب الدوري لأول مرة منذ 44 عامًا.
إنها لحياة طويلة حتى استحال هذا اللقب على الجار المزعج، بينما شياطين المدينة يمرحون هناك في مسرح الأحلام، يحتفلون بين حين وآخر بلقب جديد.
جون ينتفض فجأة ويندفع بجسده للخلف، لينظر إليه والده في المرآة "ماذا بك يا فتى؟".. ابتسامة من الصبي ذو الـ14 سنة دون أن يتفوه بكلمة، بينما أسرَّ لنفسه بخيالاته السعيدة، وفرحته بهدف الانتصار، الذي داعب مخيلته للحظات.
السيارة تقترب من ملعب الاتحاد، ووجه جون يبتهج لرؤية جحافل الأنصار تزحف نحو معقل السيتزنز، يزينها اللون السماوي ولا شيء آخر.. دقائق معدودة ونزل الصبي رفقة والده، حيث سيسدل الستار على المشهد الأخير للحلم المنتظر.
لم تكد قدما جون تطأ الأرض حتى وجد نفسه يردد هتافات الجموع المتجهة نحو مدخل الملعب "هيا يا سيتي.. القمر الأزرق يُشرق.. هيا يا سيتي".. والده يدفع له العلم السماوي، وجون يلوح به يمنة ويسرة، ليشتعل الحماس بداخله، رافعًا صوته بهتافه المعتاد.
بارنيت يشير لجون نحو مقعديهما.. ليأبى الفتى الجلوس، مفضلًا النظر إلى المدرجات التي بدأت في الامتلاء عن آخرها قبل دقائق من الموعد المنتظر.
"أبي.. هل تسمح لي بشيء؟".. الوالد بارنيت يجيب الفتى الصغير "أي شيء؟".. جون يجيبه "لو تحقق حلمنا اليوم، هل تسمح لي برسم وشم على ذراعي لمسجل هدف الفوز؟".. إيماءة غير مفهومة من الوالد، صاحبتها ابتسامة على استحياء، قبل أن يجيبه "لننتصر أولًا.. وبعدها سنرى، فأنت لازلت صغيرًا يا فتى".
"سننتصر.. وسأضع الوشم".. هكذا أراد جون أن يظفر بالوعد دون أن يتفوه به والده، لكن بارنيت لم يجب وظل يشاهد اللاعبين أثناء عمليات الإحماء، منتظرًا بدء المباراة.
بضعة دقائق ودخل الفريقان أرض الملعب، والمدرجات تهتز بصيحات الجماهير التي يملأها الشوق للقب طال انتظاره، فكثير منهم لم يشهد هذا الحدث من قبل.. لقد بات الفريق السماوي على بُعد خطوة واحدة منه، وعلى حساب العدو الأبدي.
الدقائق مرت حتى الوصول للدقيقة 39، التي شهدت انفجار الملعب بصرخات جنونية بعدما أطلق زاباليتا شرارة المجد الأولى بهدف انتظرته الجماهير منذ البداية.. جون يقفز فرحًا فوق مقعده، قبل أن يجده والده فوق ظهره من شدة فرحه.
الشوط الأول انتهى بالخبر السعيد، ولا تهم تلك الأخبار القادمة من ستاد النور، بتقدم مانشستر يونايتد على سندرلاند بهدف واين روني، فطالما كان السيتي متقدمًا لن يذهب الكأس إلى خارج ملعب الاتحاد.
لم يكد جون وباقي الفرحين في المدرجات يهنأون بسعادتهم لوقت طويل، فبمجرد بدء الشوط الثاني أدرك كوينز بارك التعادل بعد 3 دقائق، ليدب الخوف فجأة داخل النفوس المشتاقة بملعب السيتي.
بضعة دقائق مرت وعاد الأمل إلى الجماهير بعد رؤية الحكم يشهر بطاقة حمراء في وجه جوي بارتون، لتسنح الفرصة للسيتزنز لافتراس الضيف، الذي سيضطر لإكمال أكثر من نصف ساعة بنقص عددي.
بارنيت يهمس في أذن نجله، الذي ظهر التوتر على مُحيّاه "سننتصر يا فتى.. مازال الوقت طويلًا".. جون لا يجيب والده، واكتفى بوضع يديه على وجهه ترقبًا.
10 دقائق أخرى مرت وجاءت الضربة التي اقتلعت القلوب من مواضعها.. كوينز بارك يضرب السيتي بهدف ثانٍ رغم النقص العددي.. ويونايتد في الجهة المقابلة يحافظ على تقدمه، يبدو اللقب الآن وفي لمح البصر أقرب إلى رجال العجوز فيرجسون.
دموع جون بدأت تتساقط طواعية.. فالخيالات والأحلام الوردية تحولت إلى كابوس حقيقي.. اللقب المنتظر لم يعد في قبضة السيتزنز، والجار المزعج سيظل في دوامة البحث عنه لعام آخر.. بارنيت حاول تهدئة نجله، لكن كلماته خرجت غير قانعة بحالها.
الدقائق بدأت تمر وكأنها أسهم تُغرس في قلوب الآلاف في المدرجات.. وجون جلس يائسًا على مقعده، واضعًا رأسه بين ذراعيه والنحيب يتعالى حسرة على ضياع الكأس الغالية.
فجأة وجد الجميع الدقيقة تشير إلى الـ90، والحكم المساعد يرفع لوحته باحتساب 5 دقائق إضافية.. لم تعد تلك الدقائق كافية للعودة، فالفريق السماوي بحاجة لمعجزة حقيقية والنتيجة تشير إلى تأخره (1-2).
هنا أدار جون ظهره للملعب وبدأ يتفحص وجوه من حوله.. ترقب مصحوب بالخوف.. دموع تنهمر من بعضهم.. وفتاة ترتمي في أحضان والدها حزنًا على إهدار اللقب، والكرة تعاند لاعبي السيتي وتأبى معانقة الشباك.
فجأة ضرب أحدهم صدر جون.. الفتى الصغير هاله المشهد المباغت، فالجماهير انتفضت فرحًا دون سابق إنذار.. يستدير لمعرفة ما حدث وإذا بكل لاعبي فريقه المفضل يركضون وأجويرو يمسك بالكرة نحو دائرة المنتصف، لتدارك الوقت.
أدرك جون نجاح السيتي في معادلة النتيجة في الدقيقة 92.. الأمل عاد ليدب في النفوس اليائسة، والفتى قرر إعادة روحه مع وجهه تجاه العشب.. 3 دقائق ويُسدل الستار، إما بمعجزة أو خيبة أمل فادحة.
الخبر بدأ في الوصول من ملعب النور.. انتهاء المباراة بفوز يونايتد، و3 دقائق متبقية على القول الفصل.
زحف سماوي تجاه مرمى كوينز بارك.. ومع حلول الدقيقة 94 وصلت الكرة إلى أجويرو داخل منطقة الجزاء، لينطلق ويسدد كرة قوية مزقت الشباك، لينفجر ملعب الاتحاد ويقفز الجميع في المدرجات بشكل جنوني.
مانشيني – مدرب السيتي – يركض ولا يعرف إلى أين يتجه.. الجميع يقفز فوق أجويرو الذي خلع قميصه احتفالًا بالسيناريو المجنون.. جون يعانق والده ويصيح في أذنيه "الوشم من نصيب أجويرو.. هذا هو هدف الانتصار يا أبي!".
دقيقة واحدة مرت وأطلق الحكم صافرة النهاية، ليبدأ الزحف الجنوني من الجماهير إلى أرض الملعب.. جون يقفز ويفارق والده ويركض مندفعًا نحو العشب، باحثًا عن أجويرو حتى وصل إليه باكيًا، والجميع من حوله يحتفلون معه، بينما صرخ جون محاولًا إيصال كلماته "سيرجيو.. لقد تركت علامة لن تمحى في قلبي.. أما أنا سأخلدك على جسدي للأبد".
سيناريو تخيلي عن موقعة مانشستر سيتي ضد كوينز بارك رينجرز التي شهدت تتويج السيتزنز بلقب البريمييرليج لأول مرة.



