
"هم يضحكون عليّ لأنني مختلف، بينما أضحك عليهم لأنهم جميعا متشابهون".
أتذكر دائمًا هذه المقولة من رائعة النجم خواكين فونيكس، في فيلم "جوكر 2019"، رغم أنها مجرد سطر في سيناريو أحد الأفلام التي هزت الرأي العام العالمي وكشفت الوجه القبيح للبشرية، لكنها كانت بالغة الدقة في وصف شخص يعاني اضطهاد مجتمع بأسره فقط لأنه مختلف اختلافا ليس بإراداته.
كرة القدم هي نموذج مُصغر للمجتمع البشري، فيها يفرح الناس ويحزنون تختلف انتماءاتهم وطرق تفاعلهم، لكنه أيضًا تحمل جوانب سلبية مكروهة.. رغم أنها في النهاية وسيلة للترفيه.
وكانت "العنصرية" ولا تزال أسوأ ما عاناه نجوم كرة القدم في الملاعب المختلفة، ورغم وصولنا إلى عام 2020، يواجه نجوم كبار إهانات تتعلق باللون والعرق، لكني لم أشهد في حياتي لاعبا تعرض لكم من الإهانات والسباب بحجم ما تعرض له محمود عبد الرازق "شيكابالا" لاعب نادي الزمالك ومنتخب مصر.
ابن محافظة أسوان الذي عرفته الجماهير منذ نعومة أظافره، كل جريمته هي موهبته، تعرض لكل أشكال العنصرية ضده على مدار 17 عاما فقط لأنه "مختلف" ليس في لونه أو شكله أو عرقه، لكن لأنه مختلف في مهارته التي لم تشهد الكرة المصرية على مدار تاريخها، لاعبًا بهذا التكامل والمهارات الفردية المذهلة.
شيكابالا نموذج حي لبطل فيلم "الجوكر" الذي سخر منه الجميع، تعدوا عليه بكل الأشكال فقط لأنه لا يشبههم، لأنه يحب كرة القدم ويستغل موهبته في قيادة فريقه لمنصات التتويج، وحتى في أحلك ظروف القلعة البيضاء كان هو النقطة المضيئة الوحيدة.
أتعجب كثيرًا ممن يتشدقون بجملة "شيكابالا لم يحقق أي شيء وظلم نفسه وأهدر موهبته"، ماذا يريدون من لاعب هو أكثر من صنع أهدافا في تاريخ الزمالك وما أدراك ما الزمالك، لاعب حقق دوري أبطال إفريقيا، السوبر الإفريقي، الدوري والكأس والسوبر المصري، بطولة أمم إفريقيا، شارك في كأس العالم، احترف في البرتغال واليونان وقبرص والسعودية والإمارات.
وأتعجب أكثر وأكثر من تجاهل كل هذه الإنجازات وغض النظر عنها من الأساس، وتكثيف كل الهجوم عليه من جماهير المنافس والإعلام بمختلف أشكاله وإدارة ناديه بل وقطاع من جماهير ناديه.
كل السباب الذي تعرض له الفتى الأسمر على مدار 17 عاما، يمكن تجاهله وعدم الالتفات له من الأساس لكن عندما يخرج لاعب سبّ بأمه وعرضه وابنه، عن شعوره ويرد بنفس الطريقة (وهي مرفوضة أيضًا) يتشدق الجميع بالمبادئ والأخلاق وتعلق المشانق له.. فلماذا الكيل بمكيالين؟
الحديث عن أن الجماهير لا تعاقب والنجم هو الضحية التي يجب أن تتحمل الإهانات وتدفع ضريبة الشهرة ما هو إلا عبث، ومبادئ مطاطة تستعمل بحسب الأهواء والألوان فقط، فالجميع مسؤول عن حق شيكابالا الذي قُتل بالبطيء أمام إعلام أصم ومسؤولين جبناء.
فالعالم كله وقف احتراما للاعبي فريقي بايرن ميونخ وهوفنهايم، عندما توقفوا عن اللعب وتبادلوا الكرات، كوسيلة اعتراضية على هجمات الجماهير المستمرة ضد ممول هوفنهايم رجل الأعمال ديتمار هوب، والذي كان ضحية لافتات مسيئة له ولوالدته رفعتها جماهير النادي البافاري.
وحتى عندما غابت الجماهير عن المدرجات المصرية، لم تغب الإهانات على صفحات التواصل الاجتماعي التي أصبحت مرتعًا لعديمي الشرف والأخلاق، فأصبحت "المرحوم شيكابالا" مزحة، وتحول لونه إلى سبه، وأفسدوا العيد على إنسان أراد الاحتفال بصورته مع زوجته وابنه.. فقتلوا فرحته بدم بارد.
قد يعجبك أيضاً


