
لا يمكن اعتبار بلاد فرنسا، نموذجا في الحضارة أو مدرسة لتعليم الشعوب الأخلاق، وكيفية التعامل مع الآخر، والاستفادة منه، على الأقل بالنسبة للجزائريين الذين ارتبطت مآسيهم التاريخية، بهذا البلد، وابتعدت أفراحُهم عنه، لكن عندما يرتكب بعضُنا زلّات في مسارنا الحضاري، نصبح نبحث عن قشّة لضرب الأمثلة ولو من بلاد فرنسا.
ما حدث للاعب الكرة الموهوب رابح ماجر في ملعب الزعيم الرمز نيلسون مانديلا، أمام أنظار وأسماع أبناء إفريقيا من تصفير، ونكران لما أبدعه منذ أربعين سنة خلت كلاعب فقط، جعلنا نلجأ إلى مقارنة، ما كنا نودّ أن نقوم بها، ولكنها فرضت نفسها علينا بالقوة.
لقد تابعنا بكثير من الاهتمام والتحليل ما حدث لنجم الكرة الفرنسية زين الدين زيدان، عندما قلّل رئيسُ الاتحاد الفرنسي للّعبة الشعبية من شأنه، وكان أقصى وأقسى ما قاله في شأن زين الدين، هو أنه سيتجاهل مكالماته لو اتّصل به، ومع ذلك قامت فرنسا بكل أطيافها من رياضية وفنية واجتماعية وسياسية، ودافعت عن الرياضي القادم من الجنوب، ولم تنس أنه منحها ذات صائفة من سنة 1998 الفرحة وتوّجها بطلة للعالم، في لعبة شعبية قفزت بفرنسا في تلك السنة إلى المركز الأول في العالم في السياحة، وجعلتها أكبر مصدّر للاعبي الكرة في أوروبا، كما ارتقت الآن في عالم التدريب وصار كل من يقف على خط التماس من الفرنسيين، مطلوبا في العالم، منذ أن تمكن هذا “الفرنسي” من التتويج بلقب رابطة أبطال أوروبا في ثلاث مناسبات متتالية، فجاء دفاع فرنسا عن “ابنها” من باب حماية كل من يقدِّم لفرنسا لحظة سعادة ولو في الكرة، وحتى لو كانت أصوله من بلاد لا تهوى فرنسا.
لا أحدَ طلب من جماهير الكرة أن ترفع هذا اللاعب أو ذاك المدرِّب إلى القمة، أو تقدِّسه وتقتنع بأنه لا يخطئ، ولكن لا أحد يسمح لمواطن بسيط أو مهمّ أن يهين لاعبا قديما حضر لمتابعة مقابلة في كرة القدم في بلاده وفي ملعب يمتلكه كل الجزائريين. وإذا كان الرجل قد أخفق كمدرِّبٍ ومحللٍ وإنسان عمومي، حسب رأي الكثيرين، فإنَّ نسيان تلك الملاحم التي خاضها باسم الجزائر في ملاعب العالم، هو نكران ليس من طباع الجزائريين الذين لم ينسوا ما قاله عنهم الإفريقي نيلسون مانديلا فأكرموه بإطلاق اسمه على أجمل ملعب في بلادهم، قبل أن ينقلبوا في نفس الملعب على من فعل كرويًّا فقط من أجل الجزائر.
على الجزائريين أن يتوقفوا عن بناء منصّات القضاء ونصب المشانق على المواقع وفي الواقع، لأن لكل مجتهد مطبّاتٍ للخطأ، ولكل مجتهد من هو مخوّل له محاسبته بالعقاب أو بالعزل في حالة الفشل، وقد عاد مدرِّب منتخب ألمانيا “هانسي فليك” الذي يقود بلدا فاز بكأس العالم في أربع مناسبات، من قطر في ديسمبر الماضي إلى بلاده، بعد أن خرج من الدور الأول، أمام منتخبات أقلّ منه شأنا، فلم يجد في المطار أحدا في انتظاره، إذ رفض الألمان التصفيق له وامتنعوا أيضا عن التصفير له، لأن أمر المحاسبة في عالم الكرة ليس من صلاحياتهم، فما بالك ببقية القضايا.
قد يعجبك أيضاً



