كانسيلو والهلال.. أضرار البقاء أكبر من خسائر الرحيل

رغم القيمة الفنية العالية التي يمتلكها البرتغالي جواو كانسيلو، تحوّل وجوده داخل الهلال إلى عبء ثقيل على الفريق، بعد سلسلة طويلة من الأزمات والسلوكيات المثيرة للجدل، والتي جعلت استمراره مع الزعيم موضع تساؤل لدى الجماهير والإعلام. 

فتصريحاته الأخيرة حول رغبته في العودة إلى أوروبا، بالتزامن مع تقارير تؤكد قرب انتقاله إلى بنفيكا، أثارت مخاوف داخل النادي من تأثير رحيله المحتمل على مركز الظهير الأيمن، خاصة في ظل عدم وجود بديل أوروبي كبير في هذا المركز، ما كشف أزمة فنية واضحة للهلال. 

ومع ذلك، أدت هذه المشاكل إلى مكسب خفي، تمثل في قيد المهاجم البرازيلي ماركوس ليوناردو بعد استبعاد اللاعب من القائمة، ليعود الفريق للاستقرار الهجومي في الفترة الأخيرة.

Getty Images

مسيرة مضطربة

وتعود جذور الاضطرابات التي تحيط بمسيرة كانسيلو إلى موقف مأساوي عام 2013، حين كان يبلغ 18 عامًا، بعد تعرضه لحادث سيارة أدى إلى وفاة والدته، وإصابته بإصابات عدة، وهو ما أدخله في حالة نفسية صعبة جعلته يفكر في الاعتزال.

ومع مرور السنوات، ظهرت مؤشرات أخرى على تأثر اللاعب نفسيًا، بينها شكوك حول معاناته من مرض في القلب، بعد ظهور جحوظ واضح في عينيه خلال إحدى مباريات برشلونة، قبل أن تتضح حقيقة الأمر، وهي أنه يعاني من مشكلة عصبية تسبب حركات لا إرادية.

ولم تتوقف حياة كانسيلو عند المشكلات الصحية، بل شابتها فوضى كبيرة؛ ففي عام 2021 تعرّض منزله في مانشستر للسطو من أربعة لصوص، اعتدوا عليه وسرقوا مجوهراته.

وفي 2024 غاب عن مباراة برشلونة ضد أتلتيكو مدريد بسبب “مشكلة شخصية”، ثم تورط خلال صيف 2025 في مشاجرة داخل ملهى ليلي، بمدينة فيلامورا البرتغالية، ما أعاد إثارة الجدل حول حياته الخاصة وتأثيرها على مسيرته.

أما داخل المستطيل الأخضر وغرف الملابس، فمسيرة كانسيلو حافلة بالخلافات. فقد دخل في مشادة مع كريستيانو رونالدو قبل كأس العالم 2022، بعد اعتراضه على بقائه احتياطيًا في مباراة ودية.

كما أثار استياء بعض مشجعي برشلونة حين طالب زميله الشاب، مارك جويو، بدعوة لاعبي الفريق كافةً للعشاء بعد تسجيله هدفًا، وهو ما اعتبرته الجماهير استعراضًا غير مبرر.

وكان الخلاف الأبرز في مسيرته مع مدربه السابق، بيب جوارديولا، خلال وجوده في مانشستر سيتي، بعد أن تجاهل حضور المحاضرات الفنية، ودخل في مشادات متكررة مع المدرب الإسباني، ما دفع إدارة النادي للموافقة على رحيله.

Getty Images

مشاكل في السعودية

ومع انتقاله إلى الهلال في صيف 2024، مقابل 25 مليون يورو، بدا أن كانسيلو سيجد الاستقرار، لكن أزماته انتقلت معه.

فقد دخل في خلافات مع المدرب السابق جورجي جيسوس، والحالي سيموني إنزاجي، بسبب قرارات استبداله، وظهر في مناسبات عدة غاضبًا وهو يغادر الملعب مباشرةً، دون الجلوس على دكة البدلاء. ومن أبرز هذه المواقف اعتراضه في مباراتي الرياض والقادسية، في بداية الموسم.

وما إن تعرض لإصابته الأخيرة أمام الدحيل في سبتمبر الماضي، والتي تسببت في استبعاده من القائمة، حتى انفجر غضب اللاعب عبر منصاته في وسائل التواصل الاجتماعي.

ونشر كانسيلو جملة: "أنا لا أُهزم.. يمكنك أن تؤذيني، لكنك لن تهزمني أبدًا".

كما نشر حينها صورة لقمصان أنديته السابقة، دون قميص الهلال، ثم حذف اسم النادي السعودي من حسابه، قبل أن يعيده لاحقًا.

وكتب منشورًا آخر قال فيه: "لم يعتذر أحد عما فعلوه بي.. لقد ألقوا اللوم عليّ فقط".. ثم ظهر في التدريب مرتديًا قميص كورينثيانز البرازيلي، وغادر الرياض لاحقًا إلى وجهة غير معروفة، رغم أنه في بداية برنامجه العلاجي، مما أثار غضب جماهير الهلال وتساؤلات حول التزامه ونيته الرحيل.

Getty Images

إصابات مستمرة

وعانى اللاعب البرتغالي من سلسلة إصابات منذ وصوله للهلال؛ بدايةً من إصابة في الساق غاب بسببها 8 أيام، ثم تمزق عضلي أدى لغيابه 46 يومًا، تلاه تمزق جديد أبعده 52 يومًا، وصولًا إلى إصابة سبتمبر التي أبعدته شهرين كاملين.

هذا الغياب الطويل ساهم في قيد ماركوس ليوناردو بدلًا منه، والذي صنع إضافة مهمة للفريق، حيث سجل 8 أهداف في 11 مباراة، ضمن منافسات الدوري وكأس الملك ودوري أبطال آسيا للنخبة، ونجح في ملء الفراغ الناجم عن رحيل ألكسندر متروفيتش، وإصابات داروين نونيز.

وبعيدًا عن الهجوم، فإن الفوضى التي أثارها كانسيلو داخل غرفة الملابس انعكست على استقرار الفريق، إذ دخل في صدامات مع مدربيه ورفض استبداله في أكثر من مناسبة، وهو ما أظهر أن مشكلاته المتكررة لم تعد فردية، بل أصبحت عبئًا مؤثرًا على الهلال كمنظومة.

وفي المحصلة، ورغم موهبة اللاعب الكبيرة، فإن سلسلة أزماته وسلوكه غير المنضبط وإصاباته المتكررة، جعلت رحيله المحتمل أقرب إلى مكسب فني وإداري للهلال. فغيابه جلب هدوءًا أكبر للفريق السعودي، وأتاح الفرصة لظهور لاعبين أكثر التزامًا وقدرةً على صناعة الفارق. وهو ما يؤكد أن وجود كانسيلو، مهما كانت قيمته الفنية، أصبح أقل فائدة من غيابه.

Getty Images