AFPأن يكون حاضرا في أعلى مستويات الاحتراف وهو في الأربعينيات من عمره، فهذا يعطي مؤشرا بالغ الوضوح عن معدن العملاق جانلويجي بوفون، الذي أعلن الأربعاء اعتزاله كرة القدم نهائيا، لتودّع الملاعب الإيطالية والأوروبية أحد أفضل حراس المرمى على مرّ التاريخ.
دموع الوداع لم تكن الأولى لبوفون، فقد سبق له أن ودّع بأسى المنتخب الإيطالي في أواخر 2017، بعد فشل "الأتزوري" في بلوغ نهائيات مونديال روسيا 2018.
بعد استدعائه للمشاركة 5 مرات في المونديال، رفع خلالها الكأس عام 2006 في ألمانيا، لم يتمكن بوفون من تحقيق رغبته بالاعتزال دوليا، بعد مشاركة سادسة في البطولة الأغلى عالميا لأي لاعب كرة قدم.
وبدلا من أن تنتهي المسيرة تحت أضواء الملاعب الروسية المضيفة لمونديال 2018، وجد بوفون نفسه يكفكف دموعه بعد التعادل السلبي لمنتخب بلاده أمام ضيفه السويدي على ملعب سان سيرو في ميلانو في إياب الملحق المؤهل إلى كأس العالم.
وبعد الخسارة ذهابا بهدف، وجدت إيطاليا، بطلة العالم 4 مرات، نفسها غائبة عن المشاركة في العرس العالمي للمرة الأولى منذ 60 عاماً.
قال بوفون الذي خاض بعدها مباراتين وديتين تلبية لرغبة المدرب الموقت لويجي دي بياجو، وهو شبه منهار "لا أشعر بالأسى تجاه نفسي بل تجاه الكرة الإيطالية. لقد فشلنا في أمر يعني الكثير على الصعيد الاجتماعي".
نهاية الرحلة
تلك كانت نهاية بوفون مع "الأزرق" الذي يحمل رقمه القياسي بعدد المباريات الدولية (176 من 1997 حتى 2018)، ثم حلت الأربعاء نهايته على صعيد الأندية، حيث علّق قفازيه وفي جعبته أيضا الرقم القياسي لعدد المباريات في الدوري الإيطالي (657).
وجميع هذه المباريات خاضها مع ناديين فقط، هما بارما ويوفنتوس، الذي حلّ فيه عام 2001 كأغلى حارس في العالم وبقي في صفوفه حتى 2018 حين غادره لموسم واحد إلى باريس سان جرمان الفرنسي، قبل العودة إليه مجددا من أجل أن يرفع بقميص "البيانكونيري" لقبه العاشر في "سيري آ"، ثم يختم مسيرته مع بارما الذي بدأ مشواره معه.
ما ميّز بوفون ليس براعته وتفوّقه على عامل العمر وحسب، بل قدرته القيادية التي تجسّدت بتصريح له أوائل موسم 2015-2016 حين خرج عن صمته وناشد رفاقه في يوفنتوس بتحمّل مسؤولياتهم، حين كان الفريق في وضع يرثى له.
قائد تاريخي

وقال بوفون في حينها "عندما تلعب ليوفنتوس فالفوز يعني كل شيء، لكن عندما لا تتمكن من تحقيق ذلك (الفوز) يتوجب عليك أن تقدّم أكثر بكثير".
صحيح أن بوفون فشل في تكرار إنجاز الحارس الأسطوري دينو زوف، الذي قاد ايطاليا للفوز بلقب مونديال 1982، حين كان في الأربعين من عمره (أكبر لاعب توّج بطلاً للعالم)، لكنه حفر اسمه في تاريخ اللعبة، كأحد أفضل الحراس والقادة.
لعب بوفون دورا أساسياً في قيادة إيطاليا إلى لقب مونديال ألمانيا 2006، حيث حافظ على نظافة شباكه في 5 مباريات خلال النهائيات ولم يتلق مرماه سوى هدفين، الأوّل بنيران صديقة سجله عن طريقه الخطأ زميله كريستيانو تساكاردو ضد الولايات المتحدة والثاني من ركلة جزاء سجلها زين الدين زيدان خلال المباراة النهائية ضد فرنسا.
الحارس الوفي
حلم الحارس الوفي بمتابعة مسيرته "على الأقل حتى سن الأربعين" وقد نجح في تحقيق هذا الحلم.
ويُعدّ جيجي حلقة الوصل بين المراحل التي مرّ بها يوفنتوس منذ وصوله إليه عام 2001، فقد عاش معه نكسة الهبوط إلى الدرجة الثانية عام 2006، بسبب فضيحة "كالتشوبولي" التي عصفت بالكرة الإيطالية وربطت فريق "السيدة العجوز" بالتلاعب بنتائج المباريات، والتي كلفته حكما قضائيا جرّده من لقبي 2005 و2006.
فضّل بوفون البقاء في ايطاليا لأن "إصراري على البقاء نابع من داخلي، فأنا عاطفي لا أستطيع المغادرة، خصوصا أنني لم ألعب إلا في بارما (10 سنوات) ويوفنتوس، عندما تربطك بقوة أمور كثيرة في نادٍ ومدينة لا تجد ما يدفعك إلى المغادرة".
صحيح أنه غادر إلى العاصمة الفرنسية، حيث توج بلقب "ليج 1" عام 2019، إلا أن اشتياقه وحنينه الى "السيدة العجوز" أعاده سريعا الى تورينو.
لدى عودته إلى يوفنتوس، عرض على بوفون استعادة القميص رقم 1 وشارة القائد، لكنه رفض "لأني لم أعد إلى هنا من أجل أخذ شيء ما من أحد أو استعادته.. كل ما أريد فعله هو أن أساهم بشيء من أجل الفريق"، الذي وقع معه لعام ثم جدد لعام آخر حتى صيف 2021.
عاد بعدها إلى نادي بداياته بارما في الدرجة الثانية وبقي معه حتى اعتزاله.
مسيرة تاريخية
مسيرته الأسطورية مع يوفنتوس التي كان ينقصها قيادة عملاق تورينو إلى لقبه الأول في دوري الأبطال منذ 1996، لا تختلف نجاحا وتألقا عن مشواره مع المنتخب الوطني الذي بدأه حين كان في الـ19 من عمره، بعدما حل بدلا من جانلوكا باليوكا المُصاب خلال تصفيات مونديال 1998 أمام روسيا.
وفرض بوفون نفسه تدريجا في المنتخب وكان الحارس الأساسي في تصفيات كأس أوروبا 2000، إلا أن الإصابة حرمته من المشاركة في النهائيات التي وصلت فيها بلاده إلى المباراة النهائية، قبل أن تخسر أمام فرنسا بالهدف الذهبي.
ولم يغب بوفون عن الأحداث الكبرى مع منتخب بلاده منذ حينها، باستثناء مونديال روسيا 2018.
قد يعجبك أيضاً



