
لم يكن من السهل أن يتخلص عالم كرة القدم من أساليبه الكلاسيكية، ليقبل بمنظومة لعب خرج بها الهولنديون من مختبراتهم، سميت وقتذاك بالكرة الشاملة، كرة قائمة على الضغط الذي يخنق شريان المنافس، فلا يترك حتى الهواء يمر منه.
وطبعاً هذه الكرة الشاملة أو الكرة الضاغطة، ستأخذ لها شكلاً آخر عندما ستتحول إلى تيكي تاكا أو ما يسمى بفن الاستحواذ مع الأب الروحي يوهان كرويف ومع واضعها بيب جوارديولا.
تلك الكرة الهولندية الجميلة التي عشقناها نمطاً وأسلوباً وشكلاً إبداعياً، أغرم بها الجميع، بل وبحث الجميع عن كنهها وقوامها، فغدا المدربون الهولنديون، ممن تشبعوا بهذه الكرة الشاملة، مطلوبين من منتخبات وأندية، بخاصة تلك التي تمتلك مقومات اللعب بالضغط العالي والاستحواذ الإيجابي، وتلك المقومات لا توجد إلا في لاعبين مهاريين، يستطيعون الجمع بين فن الاستحواذ وفن الاسترجاع.
وأول ما بلغني أن نادي العين تعاقد مع المدرب الهولندي ألفريد شرودر، ومن دون حاجة لأفتش في سيرته عن المحطات التي مر منها لاعباً ومدرباً، حدست أن يكون ابناً شرعياً لهذه الكرة الشاملة التي تجمع بين كل مناحي الإبداع والالتزام في التنويع، وتمتلك كل الأسلحة التكتيكية لصناعة الفارق على المستوى الجماعي، ومن يشاهد العين في كل مبارياته لهذا الموسم، في دوري أدنوك وفي دوري أبطال آسيا، يلمس هذا المتغير الكبير في منظومة اللعب، ويعثر على ملامح من تلك الكرة الشاملة التي تتحول فيها الخطوط إلى بحر في مده وجزره، بحيث إن الأدوار دفاعية كانت أم هجومية، تتقاسم بين اللاعبين بشكل لا يبدو معه الفريق مترنحاً أو مخلخلاً.
في مباراة أهال التركماني، كما في مباراة باختاكور الأوزبكي، كان العين هو المتحكم في الإيقاع، وهو المحدد لخريطة السفر، هو من يشرع الطرق والمسالك، وأمامه لا يستطيع المنافس أن يتمرد، لذلك شاهدنا العين يفوز هناك بأوزبكستان بثلاثية، ثم يفوز هنا في العين برباعية، محققاً العلامة الكاملة في جولتين، ومرسلاً للمشهد الآسيوي، إشارات دالة على أنه سيكون علامة فارقة في نسخة الأبطال، وكيف لا يكون كذلك وهو يملك ثنائياً مرعباً مشكلاً من المغربي سفيان رحيمي والطوغولي لابا كودجو، ومن يشد عضدهما هجومياً، لاعبون مميزون من أمثال كاكو ويحيى نادر ومنذر لحبابي؟
دليل هذه الكرة الشاملة المحينة، التي جاء بها شرودر وجعل العين يتنفس أريجها وعبقها، أن البنفسج يكتسح البدايات، ليس فحسب، بالعلامة الكاملة في دوري أدنوك كما في دوري الأبطال، ولكن أيضاً بالكم الكبير من الأهداف المسجلة، 21 هدفاً في 6 مباريات.
بالقطع لم تكتمل المعزوفة بعد، فالعمل على كثير من التفاصيل والجزئيات التي تجعل اللحن خالداً، يجب أن يتواصل بكثير من التواضع ونكران الذات.
نقلاً عن جريدة الاتحاد الإماراتية
قد يعجبك أيضاً



