إعلان
إعلان

يصيح كلما رأى نوراً

د.عبدالله بن ثاني
12 يونيو 201605:34
923845945675

الموت الحقيقة المطلقة التي لا تقبل جدلا ولا استثناء ولا هزيمة، لن ينتصر عليها أحد ممن هم على ظهر هذا الكوكب حتى وإن ملأوا أرجاءه حضورا وانتصارا، ثم فجأة تختفي كمذنب يحترق في السموات المظلمة، وعطفا عليه فان الأبطال تصنعهم الأحداث وكذلك المجرمين يصنعهم المجتمع بالتفاعل مع قدراتهم الشخصية سلبا أو إيجابا، فذلك الإنسان الذي نراه عظيما أو حقيرا.

البطل المسلم محمد علي كلاي، رحمه الله، الذي أشغل الناس حياة وموتا، صديق الرؤساء والشعوب والأغنياء والفقراء والبيض والسود، اجتمعت عليه المتناقضات وأحبه الأعداء قبل الأصدقاء، وقد نجح لأنه اعتمد على المثل العليا وجنون اللغة للتعبير عن تلك المثل وبخاصة قضية السود، التي كان يعاني منها المجتمع الأميركي آنذاك، الذي يحرم على السود ركوب الباصات والمطاعم والأماكن العامة وطقوس الزواجات التي هي حق مقدس للبيض، وهذا هو السبب الذي دعاه إلى رفض المشاركة في الحرب الفيتنامية حينما أعلن بكبرياء أن «لا خصام له مع الفيتكونغ (المقاتلون الفيتناميون) كما أن الفيتكونغ لم ينادوه بتاتا بالزنجي»، وتؤكدها الحالة الذهنية لديه أيضا حينما اختار مسمى مالكوم رمز المقاومة ضد العنصرية في أميركا ثم اختار محمدا.

ولذلك تعلق السود به لأنه أمل يرفع عنهم هذه العنصرية ليعيشوا حياة أفضل، وظلت هذه القضية ترسم كل تفاصيل الأسطورة كلاي مثلما رسمت قبله حياة مارتن لوثر كينغ، حتى ذكر (رحمان علي – شقيق كلاي) أن أسطورة الملاكمة أوصى أيضًا بأن يتم حفر عبارة مارتن الوثر كينغ على قبره التي قال فيها: «حاولت أن أحب أحدا وأن أحب الإنسانية وأخدمها.. حاولت فعلا أن أطعم الجياع وأكسو العراة»، وهذه المفاهيم الإنسانية لدى كلاي جعلت السيرة الذاتية لمحمد علي كلاي «روح الفراشة» أفضل كتاب لدى المناضل نيلسون مانديلا ضد الفصل العنصري، وكان كلاي يعرّف نفسه دائمًا «أطير كالفراشة وألسع كالنحلة».. وكان الكتاب نسخة موقعة من بطل أميركي إلى بطل أفريقي.

الرياضيون الحقيقيون في العالم يحملون رسالة إنسانية وطالما صاغوها بالروح الرياضية التي تقبل الحوار والنقاش والتسامح والتعايش وتحارب العنصرية والجوع والفقر والحروب، وكان أحدهم محمد علي كلاي، الذي لم يجد إلا الإسلام يحقق له هذه المضامين الإنسانية التي تقوم على العدالة والمساواة والحرية التي ناضل من أجلها وهو يستحضر أن جده كان من عبيد أميركا المملوكين قبل تحرير البشر، حتى قال معبرا عن اختياره الإسلام: إن «الديك يصيح فقط حين يرى النور، ضعوه في غرفة مظلمة ولن يصدر عنه أي صوت. أنا أرى النور وأنا أصيح».

نعم ، لم يحترق ذلك المذنب إلا بعد أن قدم اعتذاره لكل إنسان سبب له آلاما ذات يوم على حلبات الملاكمة وما فيها من قسوة.. رحمه الله. .. والله من وراء القصد.

* نقلاً عن صحيفة القبس الكويتية

إعلان
إعلان
إعلان
إعلان