إعلان
إعلان

محمد علي عندما أبكى وأفرح جدّي

د.محمد مطاوع
04 يونيو 201616:21
mutawe

عندما استمعت لخبر رحيل محمد علي كلاي، عاد بي الزمن سنوات طويلة، أستقرت بي في منتصف السبعينيات، عندما كنت طفلا لم يتجاوز السابعة من العمر، كنت أتابع من حولي في العائلة، وهم يتبادلون الحديث حول الملاكم الأسطورة محمد علي كلاي.

لا أدري ما هو السر الذي جذب الجميع تجاه متابعة هذا البطل، رغم أن الملاكمة مصنفة تحت فئة الألعاب العنيفة، والتي يتكرر فيها مشهد الدماء وهي تسيل من الوجوه، لكنهم يطلقون عليها في النهاية رياضة الفن النبيل.

أذكر جيدا الأيام التي تسبق المباراة التي سيلعب فيها كلاي..الكل يتحدث عن التوقعات..وطبعا البطل لا يخسر، وجدّي وهو بالمناسبة والد جدتي رحمهما الله، رجل اقترب من عامه المائة، ولكنه يتمتع بحيوية وطاقة كبيرتين، وذاكرة حديدية..حيث لا ينفك يسأل عن موعد المباراة، التي غالبا ما يأتي فجرا، ولأن الحياة كانت بسيطة في تلك الأيام، فلم نكن نسمع عن حقوق بث، أو تشفير، حيث تقوم جميع التلفزيونات المحلية بإذاعة المباراة على الهواء مباشرة عبر الموجات الأرضية.

الموعد كان مع جو فريزر، ذلك الملاكم الصلب..الذي لم يكن جدي يطيق سماع اسمه، كيف لا، وهو من هزم بطله عام 1972، حيث كان يتحدث كثيرا عن تلك الخسارة التي لم يصدقها، وشك كثيرا فيما كان يراه على الشاشة، فكان حماسه شديدا لمتابعة مباراة الثأر التي دعا فيها للبطل بتحقيق الفوز.

الجميع نام باكرا، حتى يتمكنون من متابعة المباراة ولديهم الطاقة للاستمرار إلى ساعات الصباح الأولى، فالمباراة تتكون من 15جولة واذا استمرت للنهاية فستتجاوز الساعتين.

حقق محمد علي كلاي الفوز بشكل أسطوري وبعد نهاية الجولة 14، فكانت فرحة جدي لا توصف، وكأنه حقق إنجازا شخصيا عجز عنه في سنين عمره المائة، تحدث بفخر عن البطل الذي ألهم جميع أفراد الأسرة، فكانت لحظة السعادة الكبيرة التي غسلت "عار" خسارة سابقة، محيت آثارها من ذاكرة الرجل العجوز.

لم تمح الأيام المتعاقبة المشهد من ذاكرتي، وهو ما جعلني أقرأ كثيرا عن محمد علي، الذي اكتشفت أنه ليس مجرد ملاكم، بل هو قائد عظيم، له مواقف تاريخية..سواء في حرب فيتنام التي رفض المشاركة فيها كي لا يقتل أبرياء لا ذنب لهم، إضافة لاعتناقه الإسلام، والمساهمة في نشره، وتحدث بفلسفة حديثة عن تعاليمه، ثم رفضه وضع اسمه على أرض شارع النجوم لأنه يحمل اسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فرفع الاسم على الحائط..والكثير الكثير من المواقف التي لا يتسع لها المقام هنا.

رحل محمد علي كلاي.. الذي تعرفنا على الملاكمة من خلاله، لكنه أبدا لن يرحل من الذاكرة التي تكونت منذ الطفولة على بطولته، وندعو الله تعالى أن يغفر له ويجزيه عنا خير الجزاء.

إعلان
إعلان
إعلان
إعلان