
من بين الأخبار السارة الأسبوع الماضي كان فوز شركة ماكلارين بالمركزين الأول والثاني في سباق جائزة المجر الكبرى ضمن بطولة العالم لسباقات الفورمولا 1، هذا الخبر ليس مجرد فوز ببطولة، بل أنا نظرت إليه من صورة أوسع، ووضعت له عنوانا آخر: لقد فازت مملكة البحرين بإعادة شركة ماكلارين إلى سكة النمو والتميز والصدارة.
لقد كان السباق نحو الصدارة طويلا وشاقا، وتطلب اتخاذ قرارات صعبة، لكن الفوز كان حليفنا بالنهاية، متسلحين بحب التحدي وعشق الإنجاز، والإصرار على الفوز في نهاية المطاف حتى لو تطلب ذلك دفع أثمان عالية، فوحدهم أصحاب الرؤية الثاقبة والجرأة والهمة العالية يختارون المسار الأصعب، محققين الإنجاز الفريد.
إن هذا الإنجاز المشرّف يرفع اسم مملكة البحرين عاليا، كما أنه يعزّز من المكانة العالمية التي صنعتها مملكة البحرين لنفسها على مدى سنوات في مضمار سباق الفورمولا 1، وإن فوز ماكلارين هو خطوة رائدة متميزة يفخر بها الجميع على أرض البحرين، وهو يعكس الجهود الكبيرة التي بذلها القائمون على شركة ماكلارين والتي تكلّلت بالحصول على هذه الجائزة التي تعد من أرفع الجوائز في سباقات الفورمولا 1، وهي بكل تأكيد انعكاس لكل الجهود والمساعي والخطط والبرامج التي تنهض بها القطاعات من أجل رفع راية البحرين عاليا في مختلف المحافل وشتى المناسبات المحلية والإقليمية والدولية.
ويعكس هذا الفوز حكمة ورصانة القرار الذي اتخذته شركة ممتلكات القابضة بالاستحواذ على ماكلارين وتعزيز الاستثمارات والدعم الموجه إليها حتى تمكنت من الوصول إلى الصدارة، وترجمة واقعية لمستقبل ممتلكات بعد أن استحوذت على الملكية الكاملة لرأس مال ماكلارين، ولا يخفى علينا أن ماكلارين قد تميزت عبر عدة جوانب طوال مسيرتها من خلال الاستثمار في المنتجات والتقنيات الجديدة واستكشاف الشراكات التقنية المحتملة مع شركاء الصناعة، فضلاً عن أنها تمتلك بالكامل ماكلارين أوتوموتيف، الشركة المصنعة للسيارات الرياضية، وهي مساهم أغلبية في McLaren Racing، فريق الفورمولا 1 للشركة.
كما ويؤكد هذا الإنجاز العالمي المرموق الرغبة الجادة في تطوير شركة ماكلارين وتحسين أدائها، فهي في أيد وطنية أمينة وكفوءة، وأنا متفائل جدًا بالأداء المستقبلي الإيجابي للشركة، واستمرارية النجاح والتطور المستمر في الصناعة، مما سيعزز مكانة الشركة على الساحة العالمية وفي سوق السيارات الدولي، ويسهم في دفع عجلة التقدم والابتكار في قطاع السيارات البحريني.
ولا شك في أن هذا الإنجاز الذي يُضاف لنجاحات فريق البحرين بمختلف المجالات، سيؤثر إيجابًا على نواحٍ أخرى مثل القطاع السياحي، وتحديدًا السياحة الرياضية في مملكة البحرين، والتي تمثل ركيزة أساسية في الاستراتيجية السياحية، إضافةً إلى انتعاش قطاعات العقارات والصناعة والتكنولوجيا، تحقيقًا للرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين في تنويع مصادر الدخل وتنمية الإيرادات غير النفطية وتحقيق التوزان المالي.
وبالتأكيد قد أصبح للمنطقة باعٌ في رياضة السيارات على صعيد استضافة سباقات الفورمولا 1 بوجود حلبات متميّزة عالمية المستوى مثل حلبة البحرين الدولية بالطبع وحلبة مرسى ياس في أبوظبي وغيرها الكثير، وهو ما يدفعنا بشكل أكبر لمواصلة تحقيق الإنجازات في هذه الرياضة، إنجازات بحرينية وخليجية وعربية، وهو أيضًا ما جعل الطموحات تتزايد بوجود سائق عربي للفورمولا 1، والتي باتت تتحقق على مدى الأعوام السابقة.
وبلا شك الدعم المالي يأتي في مقدمة العوامل لخلق سائق فورمولا 1؛ لأن رياضة السيارات مكلفة للغاية وتحتاج إلى دعمٍ مادي كبير، وأغلب السائقين الذين وصلوا إلى عالم الفورمولا 1 لم يحصلوا فقط على الدعم المالي وإنما على دعم من عائلاتهم ودولهم، وبالتالي يحتاج الأمر إلى أكثر من وضع ميزانية مالية وإنما أيضًا إلى تغيير ثقافة أبنائنا والأجيال الجديدة نحو الاهتمام برياضة السيارات والتفكير الجاد في دخول عالم الفورمولا 1، وكل ذلك كانت البحرين في طليعة الدول التي بدأت في تنفيذه وانتهاجه تشجيعًا لأبنائها على هذه الرياضة، يكفي أنها أول دولة في الشرق الأوسط تستضيف سباقات الفورمولا 1 منذ العام 2004 وحتى الآن.
إن وجود حلبات سباقات الفورمولا 1 واستضافة الجائزة الكبرى ضمن جولات بطولة العالم يعدان من العوامل المؤثرة كذلك في صناعة سائق فورمولا 1، ولكن ليس شرطًا لكي يصبح أحد الموهوبين في دولة لا تمتلك حلبة للسباق سائق فورمولا 1، إذ إن هناك العديد من الدول التي لا تملك جولات أو حلبات سباقات للفورمولا 1 ولكنها تملك أبطالاً مثل فنلندا التي دائمًا ما تشتهر بوجود أبطال في هذه الرياضة مثل كيمي رايكونن وفاليتيري بوتاس ومن قبلهما ميكا هاكينن رغم عدم امتلاكها لحلبة أو إقامة جولة من جولات بطولة العالم على أرضها، ويبرهن ذلك على أن العزيمة والموهبة تتفوق على الماديات، وهما المفاتيح الأساسية لتحقيق النجاح.
وقد كانت الجهود الكبيرة التي بُذلت على مدى سنوات في سبيل تطوير وزيادة حضور مملكة البحرين كوجهة عالمية لسباقات الفورمولا 1، واضحة جدًا في فوز ماكلارين، فهو لم يكن مجرد انتصار رياضي بل محطة هامة في تاريخ البحرين ومكانتها، ووسامًا عالي القيمة على صدورنا جميعا، وهو نجاح يجسّد تفوق العقول المحلية والقدرة على المنافسة العالمية في الميادين، مما يُلهم الأجيال الشابة ويعزز لديهم الهوية الوطنية والانتماء للبحرين.
وأنا أؤمن بأن وجود المرافق وحلبات السباقات وما حققته من نجاحات في استضافة الجائزة الكبرى، ووجود إمكانات ومواهب محلية واعدة في رياضة السيارات والتي يتوجب احتضانها بالتنسيق مع الجهات الحكومية والهيئات الرياضية، يؤكد أن البذرة موجودة وقد تضمن للمواهب التدرج في سلسلة السباقات التي تسبق عالم الفورمولا 1 وشق الطريق إلى ما هو أبعد وأعلى منها بكثير.
الدعم موجود، والميزانيات متوافرة، والأهم تسخير الاستثمارات بالشكل الصحيح وأن تخضع الخطط المدروسة للتنفيذ، لدينا العديد من الفرق والشركات والجهات المتخصصة، وكلها في خدمة رياضة السيارات، والبحرين لا تنضب من المواهب، وعلينا البدء بصورة صحيحة ومتدرجة، فلا أحد يركض قبل أن يمشي أولاً، لكن المهم أن نلتفت إلى هذه المواهب ونقدم الدعم بكل أشكاله لكي ترتقي، ونحقق المزيد من النجاحات وتصبح البحرين موطنًا ومركزًا للشركات التي تبلغ القمة وتتفوق في جميع السباقات بكل جدارة.
من نجاح إلى نجاح يا فريق البحرين، من نجاح إلى نجاح يا بحريننا الغالية.
نقلًا عن الأيام البحرينية
قد يعجبك أيضاً



