إعلان
إعلان

من 1995 إلى 2010 : المصالحة عبر الرياضة في جنوب أفريقيا

dpa
18 مايو 201020:00
الرئيس الجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا وبيده كأس العالمEPA
قليلون رأوا بكل وضوح كيف انتهز الزعيم نيلسون مانديلا الفرصة السياسية التي كانت تمثلها بطولة العالم للرجبي عام 1995. فقبل عام بالكاد كان قد اختير كأول رئيس ديمقراطي للبلاد ، وانتهز الزعيم الأسمر اللعبة الشعبية لدى المواطنين البيض لاستغلالها كوسيلة للمصالحة.

وبعد مرور 15 عاما ، يمكن لمثال عام 1995 أن ينتقل إلى مونديال كرة القدم عام 2010 ، حيث يمكن أن يساعد جنوب أفريقيا على تخطي جزء آخر من المسافة التي لا تزال تفصل بين البيض والسود.

فبينما يتعصب البيض بحكم التاريخ للرجبي ، فإن الغالبية السمراء تفضل كرة القدم. على سبيل المثال ، يعد العثور على كرة بيضاوية في أحد شوارع سويتو ، الحي الأفقر والأشهر بين أحياء السود في جوهانسبرج ، ضربا من المستحيل.

بل إن هذا التفضيل لم يكن مجرد مسألة أذواق ، بل موقف سياسي كامل خلال عصر الفصل العنصري.

فلطالما كان المنتخب الجنوب الأفريقي للرجبي "سبرينجبوكس" رمزا لنظام حكم شمولي أبقى 90 بالمائة من مواطني البلاد تحت نير العشرة بالمائة الباقين.

وخلال سنوات الفصل العنصري ، لم يكن السود يكتفون بعدم الاهتمام بمنتخب يمثل للبيض ما يشبه العقيدة ، بل إنهم كانوا يعادونه.

وأطلق المجلس الجنوب أفريقي للرياضة ، وهو هيئة غير عرقية تأسست في أصعب سنوات الفصل العنصري على يد رجال من بينهم داني جوردان الرجل الأول الآن باللجنة المنظمة للمونديال ، حملة ناجحة في ذلك الحين تدعو إلى مقاطعة الرياضة الجنوب أفريقية دوليا.

وبين عامي 1964 و1992 ، ابتعدت جنوب أفريقيا عن بطولات كأس العالم وعن الدورات الأولمبية. وفي عام 1980 بدأت الأمم المتحدة في تحرير سجل للرياضيين ومسئولي اللعبات الذين كانوا يعتادون السفر إلى جنوب أفريقيا.

وللتقليل من شأن هؤلاء الرياضيين ، نشرت تلك القائمة بعد سبعة أعوام من ذلك التاريخ. وثبت أنه كان هناك قرابة 200 رياضي تمكنوا من شطب أسمائهم من القائمة ، مقابل وعد بعدم السفر أبدا للمشاركة في أحداث رياضية في جنوب أفريقيا.

وبعد إطلاق سراح مانديلا عام 1990 ، تمكن رياضيو البلاد من المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية عام 1992 في برشلونة. وفي عام 1995 استضافوا بطولة العالم للرجبي.

ومع ذلك ، كان منتخب "سبرينجبوكس" لا يزال يمثل رمزا لعهد الفصل العنصري في أعين غالبية مواطني البلاد. وبالفعل ساندت غالبية السود منتخب "أول باكس" النيوزيلاندي ، عندما انطلقت البطولة ، بل ربما جميعهم عدا شخص واحد.

بعد 27 عاما خلف القضبان ، كان مانديلا قد تمكن من قيادة المؤتمر الوطني الأفريقي لتولى السلطة ، واعتبارا من عام 1994 بات يسكن القصر الرئاسي. كان هو فقط من رأى الدفعة التي يمكن أن تقدمها تلك البطولة إلى عملية المصالحة.

ويحكى لاعب الرجبي السابق جويل سترانسكي صاحب جميع أهداف أصحاب الأرض في المباراة النهائية التي فازوا فيها على نيوزيلاندا 15/12 في لقاء مع وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) إن مانديلا "أتي قبل المباراة الافتتاحية أمام أستراليا على متن مروحية وتمنى لنا التوفيق".

ويضيف "أخبرنا أننا نتمتع بدعم الأمة ، وكان ذلك أمرا شديد الأهمية بالنسبة لنا".

وبعد أن أقنع فريقا كاملا من البيض ، لم يكن فيه من الملونين سوى اللاعب تشيستر ويليامز ، بأن يقوموا قبل المباريات بإنشاد نكوسي سيكيليلي ، وهو أغنية تعد من رموز حركة تحرير السود ، انتهى الأمر بمانديلا وهو ينال تصفيقا حادا في المباراة النهائية من ملعب يعج بالبيض.

وغنى نحو 62 ألف متفرج في ملعب إيليس بارك بجوهانسبرج يوم 24 حزيران/يونيو عام 1995 في صوت واحد "نيلسون ، نيلسون" ، بينما يقوم الزعيم الأسود مرتديا قميص "سبرينجبوكس" الأخضر الذي كان يحظى بكراهية شديدة في ذلك الوقت ، بتسليم كأس الأبطال إلى قائد الفريق فرانسوا بينار.

في ذلك اليوم ، كانت جنوب أفريقيا السوداء كلها تقريبا قد سارت خلف الذكاء السياسي لمانديلا وتدعم منتخب الرجبي.

وقال مانديلا يومها لبينار "شكرا لما فعلتموه من أجل بلادنا"، وهو ما رد عليه قائد المنتخب الوطني بقوله "بل الشكر لما فعلتموه أنتم لبلادنا سيدي الرئيس".

لم تحل كل مشكلات جنوب أفريقيا في تلك الأمسية من حزيران/يونيو ، بيد أن تلك البطولة كانت اختبارا جيدا على الغفران من ناحية ، وعلى الكرم من ناحية أخرى.

وكتب الصحفي جون كارلين ، الذي يقوم فيلم "إنفيكتوس" على كتاب له "كان من الممكن أن تصرخ الأغلبية السوداء بصيحات الثأر ، ومع ذلك واتباعا لمثال مانديلا ، قدمت درسا للعالم في الذكاء والقدرة على الصفح".

وتمتعت البلاد باستقرار خلال الأعوام الماضية ، لكن الخلافات العميقة لا تزال قائمة. فمقتل زعيم البيض المتطرفين يوجين تير بلانش مؤخرا نكأ جراحا قديمة. كما تسبب الخطاب العنيف الذي أدلى به الزعبم الشاب للمؤتمر الوطني الأفريقي جوليوس ماليما في انتقادات كذلك بين المعتدلين.

ويمكن أن يكون مونديال كرة القدم فرصة جديدة كي تتعانق أيدي البيض والسود مجددا. يقول القس ديزموند توتو الحائز على جائزة نوبل للسلام لوكالة الأنباء الألمانية "الرياضة لها قدرة رائعة لتوحيد الناس".

لكن جوردان يحذر من أنه في دولة لا يزال معدل دخل الفرد الأبيض فيها أعلى بكثير من نظيره الأسود ، يجب أن يتم التغيير في المقام الأول في "الأمور المادية". ويضيف ل(د ب أ) "لو كان نسيج دولة ما قائم على مباراة أو على بطولة (...) فإن المرء حينها سيكون كما لو كان يصنع مواطنين لمدة 90 دقيقة".
إعلان
إعلان
إعلان
إعلان